و قد قيل لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه لا
يزال الناس بخير ما دمت فيهم يا أمير المؤمنين، فقال: لا يزال الناس بخير ما أرضوا
ربهم، و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى إذا قرأ قوله تعالى: [وَ اتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ][1] يقول
عاتبهم لحبه إياهم، و كان عروة الرقي رحمه اللّه يقول: محبة العبد لربه حب القرآن
و العمل به و حبه لرسوله صلى اللّه عليه و سلم هو عمله بسنته، و كان مطرف بن عبد
اللّه رحمه اللّه تعالى يقول: محبة العبد لربه أن لا يمل من تلاوة كتابه.
و كان سعيد بن جبير رحمه اللّه تعالى يقول: من علامة محبة العبد لربه
كثرة النصب و التعب في عبادته فإن حب اللّه تعالى لا ينال بالراحة، و كان عبد
الواحد بن زيد رحمه اللّه تعالى يقول: مررت برجل نائم في الثلج فقلت له: أما تحس
بألم البرد فقال: من ذاق طعم محبة اللّه تعالى لم يجد للبرد و لا للنار ألما، و
مراده المحبة الكاملة بالنسبة لكل مقام، و كان محمد بن واسع رحمه اللّه تعالى
يقول: كم ممن يزعم أنه محب للّه تعالى و اللّه له يبغض ا ه، فاعلم ذلك يا أخي و
الحمد للّه رب العالمين.
الزهد فى الدنيا
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
الزهد في الدنيا و ذمهم لكل من طلبها و مبالغة أحدهم في ذلك حتى يصير ينطق
بالحكمة، كأنبياء بني إسرائيل عليهم الصلاة و السلام، و قد كان رأسهم في الزهد
رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يأتي عليه أربعون ليلة ما يوقد في بيته نار و
لا مصباح، فقيل لعائشة رضي اللّه عنها كيف كنتم تعيشون قالت: بالأسودين التمر و
الماء، و كانت تقول قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في كساء ملبد أي مرقع و
إزار عرني غليظ، و قد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: [إنما مثلي و مثل
الدنيا كمثل رجل استظل تحت شجرة ثم راح و تركها]، و كان سفيان بن عيينة رحمه اللّه
تعالى يقول: الزهد ثلاثة أحرف فمعنى الزاي أن تترك زينة الدنيا و معنى الهاء أن
تترك هوى النفس و معنى الدال أن تترك الدنيا بأسرها، فإذا فعلت ذلك فأنت زاهد، و
كان إبراهيم بن أدهم رحمه اللّه تعالى يقول: الزهد على ثلاثة أصناف فرض و يكون في
الحرام، و واجب و يكون في الشبهات، و سنة و يكون في الحلال، قال: و لذلك كان الزهد
في الرياسة أشد من الزهد في الذهب و الفضة لأنك تبذلهما في تحصيلها.