الناس ثم لم يغيروا منكرا قدروا عليه إلا
أذلهم اللّه عز و جل، و كان أبو الدرداء رضي اللّه عنه يقول:
لتأمرن بالمعروف و لتنهون عن المنكر أو ليسلطن اللّه عليكم سلطانا
ظالما لا يحل كبيركم و لا يرحم صغيركم و يدعو عليه خياركم فلا يستجاب لهم و
تستنصرون فلا تنصرون و تستغفرون فلا يغفر لكم.
و كان حذيفة بن اليمان رضي اللّه عنه يقول: دخلت على عمر بن الخطاب
رضي اللّه عنه فرأيته مهموما حزينا فقلت له ما يهمك يا أمير المؤمنين، فقال: أخاف
أن أقع في منكر فلا ينهاني أحد منكم تعظيما لي فقال: حذيفة و اللّه لو رأيناك خرجت
عن الحق لنهيناك فإن لم تنته ضربناك بالسيف، قال: ففرح عمر و قال الحمد للّه الذي
جعل لي أصحابا يقوموني إذا اعوججت، و قد أوحى اللّه تعالى إلى يوشع بن نون عليه
الصلاة و السلام إني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم و ستين ألفا من شرارهم،
فقال: يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار، فقال: لأنهم لم يغضبوا لغضبي و
واكلوهم و شاربوهم، و كان أبو أمامة رضي اللّه عنه يقول: يحشر الناس من هذه الأمة
على صورة القردة و الخنازير بملاصقتهم لأهل المعاصي و تركهم نهيهم و هم يقدرون
عليه اه.
قلت: إذا كان هذا حال من يخالط أهل المعاصي و لا يفعلها فكيف حال من
لا يكاد تسلم له جارحة نسأل اللّه اللطف، و قد كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى
يخرج إلى السوق فيأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر ثم ترك ذلك فقيل له لم تركت؟
فقال: كان قد انفتح في الدين قناة فطلبنا أن نسدها و أما الآن فقد انفتح البحر
فيمن يقدر يسده.
و قد قيل للفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى ألا تأمر بالمعروف و تنهى
عن المنكر، فقال: أخاف أن أفعل ذلك فيصيبني أذى فلا أقدر على تحمله فيقع مني السخط
و الندم على أمري بالمعروف، و كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى يقول لأصحابه: لا
تقتدوا بي تهلكوا فإني رجل مداهن مخلط مقصر، و كان عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه
عنه يقول: إن من أكبر الذنوب عند اللّه تعالى أن يقول الشخص لآخر اتق اللّه فيقول
له عليك بنفسك.
و كان سفيان بن عيينة رحمه اللّه تعالى يقول: لا يلزم أحدا الأمر
بالمعروف إلا فيما اجتمعت عليه الأمة أما ما اختلفوا فيه فلا يلزم أحدا، و كان
حذيفة بن اليمان رضي اللّه عنه يقول:
سيأتي على الناس زمان تكون مجالسة الناس كجيفة حمار و تكون جيفة
الحمار أحب إليهم من مجالسة المؤمن الذي يأمرهم و ينهاهم.