(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة التوبة و الاستغفار ليلا و نهارا لشهودهم أنهم لا يسلمون من الذنب في فعل
الأفعال حتى في طاعتهم فيستغفرون من نقصهم من خشوعها و من مراقبة اللّه تعالى
فيها، و قد درج على ذلك السلف خلاف ما عليه غالب متصوفة هذا الزمان الذي نحن فيه،
حتى إني سمعت مرة بعضهم يقول نحن قوم لا ذنوب علينا بحمد اللّه تعالى، فقلت له:
كيف؟ قال: لأننا نشهد أن اللّه تعالى هو الفاعل لا نحن، فقلت له: فإذا وجب عليك
الاستغفار و التوبة لأنك هدمت جميع أركان الشريعة و أبطلت حدودها و و اللّه لو كنت
أنا ذا سلطان لضربت عنق مثل هذا، فإن الأنبياء و الرسل عليهم الصلاة و السلام و
جميع الأكابر كانوا يشهدون أن اللّه تعالى هو الخالق لأفعالهم و مع ذلك استغفروا و
بكوا حتى نبت العشب من دموعهم، و قد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:
[ألا أنبئكم بدائكم و دوائكم، فإن داءكم الذنوب و دواءكم الاستغفار]، و قد كان
أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه يقول: العجب ممن يقنط و معه النجاة، فإذا قيل له
و ما هي النجاة؟ قال: كثرة الاستغفار.
و كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: استغفار اللّه تعالى لا
إقلاع توبة الكذابين، و كان يحيى بن معاذ رحمه اللّه تعالى يناجي اللّه تعالى
بقوله: إلهي إن إبليس لك عدو و هو لنا عدو و لا نغيظه بشيء هو أنكى له من عفوك
عنا فاعف عنا برحمتك يا أرحم الراحمين، و كان أبو عبد اللّه الأنطاكي رحمه اللّه
تعالى يقول: ترك معصية واحدة و إن صغرت أرجى للرحمة من ألف حجة و ألف غزوة و ألف
رقبة يعتقها العبد للّه تعالى، و في رواية إن ترك كذبة واحدة أو خلف وعد أو نظرة
إلى ما لا يحل أرجى للرحمة و المغفرة من كثرة النوافل مع الكذبة أو النظرة أو خلف
الوعد، و كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: أربع لا يعبأ بهم عاقل: زهد
الخصيان في الجماع، و نسك النساء و توبة الجندي و قراءة الصبيان.
و قد كانت رابعة العدوية رحمها اللّه تعالى تقول: استغفارنا يحتاج
إلى استغفار- يعني من عدم الصدق فيه-، و كان خالد بن معدان رحمه اللّه تعالى يقول:
يمر التوابون على جهنم فلا يرونها فيقولون يا ربنا ألم تعدنا أننا نرد النار،
فيقال لهم إنكم مررتم عليها و هي خامدة لكونكم كنتم تائبين، فإنها لا تهيج إلا من
الذنوب و الإصرار عليها، و قد أجمع أهل