الشام على ثور، و كان حاتم الأصم رحمه اللّه
تعالى يقول: لا تنظروا إلى صورة تواضع فقراء زماننا هذا و علمائه و قرائه، فإنهم
عندهم من الكبر ما ليس عند الأمراء و الملوك اه.
و سيأتي زيادة على ذلك في مبحث غير هذا إن شاء اللّه تعالى مفرقا في
هذا الكتاب، فتأمل يا أخي حالك و انظر نفسك فربما تكون من أعظم المتكبرين و أنت لا
تشعر و ربما لبست الجبة الغليظة أو البشت و كنت بذلك أعظم في الكبر ممن لبس رقيق
الثياب، و الحمد للّه رب العالمين.
عدم التهاون
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
عدم التهاون بشيء من الفضائل التي رغبنا في فعلها الشارع صلى اللّه عليه و سلم و
إكثارهم منها و شهودهم أنها و إن كانت كثيرة العدد لا يحصل لهم منها أجر فضيلة
كاملة، و كان يحيى بن أبي كثير رحمه اللّه تعالى يقول: من بلغه عن اللّه عز و جل
شيء فعمل به إيمانا به أعطاه اللّه تعالى أجر ذلك، و إن لم يكن كذلك و قد رأى رجل
كثرة عبادة إبراهيم بن أدهم رحمه اللّه تعالى فتمنى أن يكون مثله، فبلغ ذلك
إبراهيم فقال له: و اللّه يا هذا لروعة تروعك على عيالك أفضل من جميع ما أنا فيه.
و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يكثر من فعل الطاعات و يقول:
ليس لأمثالنا نوافل، إنما النوافل لمن كملت فرائضه، و قد كان سلمان الفارسي رضي
اللّه عنه يقول: مثل الذي يكثر الفضائل و لا يكمل الفرائض مثل تاجر خسر رأس ماله و
هو طالب الربح، و قد كان عيسى عليه الصلاة و السلام يقول: إن رب الدين لا يقبل الهدية
إلا بعد وفاء دينه كله، و كان عبيد بن عمير رحمه اللّه تعالى يقول: ما من عبد يضع
جنبه على الفراش و يذكر اللّه تعالى حتى يأخذه النوم إلا كتب ذاكرا للّه تعالى حتى
يستيقظ.
و كان وهيب بن الورد رحمه اللّه تعالى يقول: إياكم أن تطلبوا ثوابا
على عبادتكم فإنها إلى الرد أقرب منها إلى القبول، أما ترون إلى قول الخليل
إبراهيم عليه الصلاة و السلام لما بنى البيت [ربنا تقبل منا] مخافة أن لا يقبل
بناؤه، و قد كان يونس بن عبيد رحمه اللّه تعالى يقول: من استخف بالنوافل استخف
بالفرائض، و كان إبراهيم النخعي رحمه اللّه يكره عد الآي و الأذكار إلا إن كان لها
عدد مشروع اه.
فاعلم ذلك يا أخي و أكثر من النوافل و الفضائل و لا تمل منها و لا
ترى بعد ذلك إنك قمت بواجب شكر نعمة واحدة من نعم اللّه عليك، و الحمد للّه رب
العالمين.