(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
ترك معاداتهم للناس و كثرة مداراتهم لهم و عدم مقابلتهم أحدا بسوء، فالناس
يعادونهم و هم لا يعادون أحدا و قد بلغنا أن داود عليه الصلاة و السلام قال لابنه:
يا بني لا تستقل بالعدو الواحد و لا تستكثر أن يكون لك ألف صديق، و قد نظم ذلك
الإمام الشافعي رضي اللّه عنه و هو قوله المتقدم: و ليس كثيرا إلخ، و كان وهب بن
منبه رحمه اللّه تعالى يقول: إياك أن تشمت بمصيبة أخيك فإن ذلك عنوان للعداوة، و
قد قال صلى اللّه عليه و سلم: [لا تظهر الشماتة لأخيك فيعافيه اللّه و يبتليك]، و
كان وهيب بن الورد رحمه اللّه تعالى يقول: من لم يدار الناس لم يجد حلاوة الإيمان.
و قد كان محمد بن الفضل رحمه اللّه تعالى يجالس أعداءه و يلاطفهم
بالكلام الحلو و يعزم عليهم أن يأكلوا عنده فقيل له في ذلك، فقال: لتخمد نار
عداوتهم، و كتب صفوان رحمه اللّه تعالى على باب داره رحم اللّه من لا يعرفنا و لا
نعرفه فإن لم يأت لنا أذى إلا من إخواننا الذين يعرفوننا و نعرفهم، و قد قيل لأيوب
7 أي شيء كان أضر عليك أيام بلائك، فقال: شماتة أعدائي و قد أنشد بعضهم
في ذلك يقول:
جميع
فوائد الدنيا غرور
فلا
يبقى لمسرور سرور
فقل
للشامتين بنا استعدوا
فإن
نوائب الدنيا تدور
قال: و لما بلغ يزيد بن عبد الملك و هو مريض أن هشاما سر بمرضه و
تمنى موته أنشأ يقول:
تمنى
رجال أن أموت و إن أمت
فتلك
سبيل لست فيها بأوحد
فقل
للذي يبغي خلاف الذي مضى
تهيأ
لأخرى مثلها فكأن قد
و كذلك بلغنا إن الأمام الشافعي رضي اللّه عنه قال ذلك لما تمنى
الأقران موته، و كان محمد بن كدام رحمه اللّه تعالى يقول لابنه: يا بني عش مع أهل
زمانك و لا تقتد بهم، ثم يقول: ما أشر هذا العيش مع الأحياء و الاقتداء بالأموات،
و كان يقول: لا تعادوا أحدا حتى تنظروا إلى عمله فإن كان عمله حسنا فإن اللّه لا
يسلمه إليكم، و إن كان عمله سيئا فخطاياه تكفيه، و كان الحسن البصري رحمه اللّه
تعالى يقول: لا تشتر مودة ألف رجل بعداوة رجل واحد.
و كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: إياك و معاداة الناس فإني
ما خالفت