فقال له: سلني حاجتك يا سالم، فقال: يا أمير
المؤمنين إني أستحي أن أسأل في بيت اللّه أحدا غيره تعالى، و كان الحسن البصري إذا
جاءه سائل يعطيه ثم يقول اللهم إن هذا يسألنا القوت و نحن نسألك المغفرة و أنت
بالمغفرة أجود منا بالعطية.
و قد دخل سائل يوما على معروف الكرخي رحمه اللّه تعالى فلم ير عنده
ما يعطيه غير نعله فأعطاه إياه، ثم بلغ معروفا بعد ذلك أنه باع النعل و اشترى
بثمنها فاكهة فقال معروف:
الحمد للّه لعله كان يشتهي الفاكهة فواسيناه بثمنها، قال: و رأى سالم
بن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهم رجلا يسأل يوم عرفة فزجره و قال: أما تستحي من
اللّه تعالى تسأل غيره في مثل هذا الموطن و مثل هذا اليوم اه.
فاعلم ذلك يا أخي و فتش نفسك فيما أعطيته للفقراء في الزمن المتقدم
فربما مننت به و لو في نفسك فحبط أجرك و ربما نهرت المسكين فكان ما نهرته أرجح مما
أعطيته إياه من حيث الأذى فاحذر ذلك، و الحمد للّه رب العالمين.
الوفاء بحقه
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
إنهم لا يتخذون من الإخوان إلا من علموا من نفوسهم الوفاء بحقه، فإن أخاك إذا لم
توف بحقه كان فارغ القلب منك، و قد كان المغيرة بن شعبة رحمه اللّه تعالى يقول:
أعطوا أولادكم ما سألوا بالمعروف و لا تكونوا أقفالا عليهم فيتمنوا موتكم و يملوا
من حياتكم، و كان أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه يقول: عليكم بالإخوان فإنهم عدة
للدنيا و الآخرة، ألا تسمعون إلى قول أهل النار:
[فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (100) وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ][1]، و
في الحديث [ما أحدث عبد إخاء في اللّه إلا أحدث اللّه له درجة في الجنة]، و كان
المهلب بن أبي صفرة رحمه اللّه تعالى يقول: الصديق أعز من السيف الصارم في يد، و
في لفظ في كف الرجل فإن المودة لا تحتاج إلى قرابة، و القرابة لا تحتاج إلى المودة
و من حق الأخ الصادق أن لا تفرط في كثرة سؤاله من حوائجه و تقول: ما بيني و بينه
شيء ماله مالي و مالي ماله كما يقع فيه كثير من الجهلة، إذ من شأن البشر الشح و
خوف الفقر إلا من شاء اللّه و تأمل في العجل ولد البقرة إذا أكثر من مص بز أمه حتى
أجهدها كيف تنطحه و ترفسه.