(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
بشاشتهم للسائل و عدم نهرهم له و حملهم له على أنه ما سأل إلا لحاجة، و قد كان
عيسى عليه الصلاة و السلام يقول: من رد سائلا خائبا لم تغش الملائكة بيته سبعة
أيام، و في الحديث [لو لا أن بعض المساكين يكذب ما أفلح من رده]، و كان الحسن
البصري رحمه اللّه تعالى يقول: إن اللّه ليخول العبد في نعمته و ينظر ماذا يصنع
فيها مع عباده فإن وفاهم ما طلبوا و إلا حولها عنه، فلذلك كان السلف يعزمون على
أصحابهم و يشددون عليهم في أنهم لا يردون ما أعطوه لهم.
و كان عبد اللّه بن المبارك رحمه اللّه تعالى يقول: أول من انتبه من
رقة الغفلة حبيب العجمي رحمه اللّه تعالى و ذلك أنه اشتهى يوما سمكا فلما أتى به
إلى منزله و وضعه في القدر جاءه سائل فرده فحول اللّه تعالى السمك دما فاتعظ بذلك
و خرج عن جميع ماله، و كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى ينشرح إذا رأى سائلا على
بابه و يقول مرحبا بمن جاء يغسل ذنوبي، و قد كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى
يقول: نعم السائلون يحملون أزوادنا إلى الآخرة بغير أجرة حتى يضعوها في الميزان
بين يدي اللّه تعالى.
و قد كان إبراهيم بن أدهم رحمه اللّه تعالى قبل زهده في الدنيا إذا
جاءه السائل يدخل إلى عياله و يقول لهم: قد جاءكم رسول المقابر فهل توجهون إلى
موتاكم شيئا من الصدقة، و كان أنس بن مالك رضي اللّه عنه يقول: جاء سائل في مسجد
في زمان بني إسرائيل يسأل فلم يكترث به القوم فمات فجهزوه و صلوا عليه و دفنوه،
فلما رجعوا إلى المسجد وجدوا الكفن موضوعا في المحراب و إذا مكتوب عليه هذا الكفن
مردود عليكم و الرب ساخط عليكم، و كان معاذ بن جبل رضي اللّه تعالى عنه يقول بغضاء
اللّه في أرضه سؤال المساجد، أي لكونهم يسألون الناس في بيته غيره سبحانه و تعالى
و يتسببون في مقتهم بعدم إعطائهم ما سألوا منهم.
و قد قيل للحسن البصري رحمه اللّه تعالى إن الفقراء و المساكين قد
كثروا و هم يسألون فمن نعطي منهم، قال: أعطوا ما وجدتم في قلوبكم رأفة له، و قد
كان أبو الأسود الدؤلي رحمه اللّه تعالى يقول: لو أطعنا السؤال في أموالنا لكنا
أسوأ حالا منهم.
(قلت) فينبغي للمتصدق أن يبقى لنفسه و لعياله شيئا و لا يتصدق إلا
بما فضل عن حاجاتهم، و قد دخل سالم بن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهم الحرم يوما
فرأى هشام بن عبد الملك