و قد أرسل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي
اللّه عنه بمال إلى أبي ذر رضي اللّه عنه مع عبد له و قال له:
إن قبله منك فأن حر فلما ذهب إليه العبد بالمال لم يقبله، فقال له
العبد: يا سيدي إن قبولك له فيه عتقي، فقال له أبو ذر رضي اللّه عنه: إن كان فيه
عتقك فإن في رقي ا ه.
فاعلم ذلك و فتش نفسك هل تعففت قط كما تعفف هؤلاء أم أكلت كلما دعيت
إليه، و قلت الأصل الحل و أتلفت نفسك و من تبعك و ممن يقول لو لا أن ذلك حلال ما
أكل منه سيدي الشيخ، و إياك و دعوى الصلاح و أنت لم تتعفف و الحمد للّه رب
العالمين.
الصدقة
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة الصدقة بكل ما فضل عن حاجتهم ليلا و نهارا سرا و جهارا و من لم يجد منهم شيئا
من المال و الطعام مثلا تصدق بكف أذاه عن الناس و تحمل هو أذاهم، و قد كانت صدقات
الفقراء في الزمن الماضي أكثر من صدقات الأغنياء لعدم ادخارهم المال و الطعام
بخلاف الأغنياء، و لا شك أن الفقراء أطيب نفسا بالصدقة من الأغنياء لكمال إيمانهم
و يقينهم و عدم بخلهم بالمال على المحتاجين.
و كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يقول: اللهم اجعل
الفضل عند خيارنا لأجل أن يعودوا به على أولي الحاجة منا، و قد كان بعضهم يرسل إلى
أخيه الرغيف أو التمرة أو النعل مثلا و يقول له: إنا نعلم غناك عن مثل ذلك و إنما أردنا
أن نعلمك إنك على بال منا، و كان عبد العزيز بن عمير رحمه اللّه تعالى يقول:
الصلاة توصلك إلى نصف الطريق و الصوم يوصلك إلى باب الملك، و الصدقة تدخلك إلى
الملك، و كان رحمه اللّه تعالى يقول: الأموال عندنا و دائع للمكارم.
و كان إبراهيم بن يوسف رحمه اللّه تعالى يجمع الأموال و يقول: إنما
أجمع ذلك لبطون جائعة و ظهور عارية و لم أجمعه للماء و الطين، و قد طلبوا منه شيئا
لعمارة مسجد فأبى و لم يعطهم شيئا و قال: الجائع أحق، و قال لقمان 7
لابنه: يا بني إذا أخطأت فتصدق و لو برغيف، و كان عبد اللّه بن عباس رضي اللّه
عنهما يقول: من لم ينكرم بماله فتركه جمع المال أولى، و كان الحسن البصري رحمه
اللّه تعالى يقول: لا يتصدق أحدكم إلا من كسبه الطيب فمن تصدق على فقير من كسب
خبيث ليرحم ذلك الفقير فهو مغرور و رحمته من ظلمه أولى بإعطائه ما أخذه منه.
و كان مجاهد رحمه اللّه تعالى يقول: لا يقبل اللّه تعالى صدقة من
تعدى بصدقته