من الغيبة أنه لم يسلم منها إلا القليل، و
كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: اذكر أخاك إذا تواريت عنه بمثل ما تحب أن
يذكرك به إذا توارى عنك، و كان مالك بن دينار رحمه اللّه تعالى يقول: كفى بالمرء
إثما أن لا يكون صالحا ثم يجلس في المجالس و يقع في عرض الصالحين، و قد سئل الزهري
رحمه اللّه تعالى عن حد الغيبة فقال: كلما كرهت أن تواجه به أخاك فهو غيبة، و قد
نام شقيق البلخى رحمه اللّه تعالى ليلة عن ورده فعتبته امرأته، فقال: لا تعتبيني
بأن نمت عن وردي هذه الليلة فإن غالب علماء بلخ و زهادها يصلون لي و يصومون و
يفعلون، فقالت له: و كيف ذلك؟ قال: يبيت أحدهم يصلي طول الليل و يصبح صائما طول
النهار ثم ينال من عرض شقيق و يأكل لحمه فتكون حسناتهم كلها في ميزانه.
و كان أبو أمامة رحمه اللّه تعالى يقول: إن العبد ليعطي كتابه- يعني
يوم القيامة- فيرى فيه حسنات لم يعملها فيقول يا رب أنى لي بهذا؟ فيقال له: هذا
بما اغتابك الناس و أنت لا تشعر، و كان عبد اللّه بن المبارك رحمه اللّه تعالى
يقول: لو كنت مغتابا أحدا لاغتبت والدي لأنهما أحق بحسناتي من غيرهما.
و كان محمد بن علي الترمذي رحمه اللّه تعالى يقول: من وقع في عرض أحد
فكأنه قدمه بحسناته على نفسه و أحبه أكثر من نفسه، قلت: فلا ينبغي له التكدير بل
يحبه لم حصل له من الثواب و إن لم يقصد هو ذلك فعلم أن من تكدر ممن أهدى إليه
حسناته فهو أحمق إلا إن كان تكدره لغرض شرعي، و كان سعيد بن جبير رحمه اللّه تعالى
يقول: إن العبد ليعمل الحسنات الكثيرة فلا يراها في صحائفه فيقول: يا رب أين
حسناتي؟ فيقال له ذهبت باغتيابك الناس و هم لا يعلمون.
و كان المنصور بن المعتمر رحمه اللّه تعالى يقول: لا تنالوا السلطان
إذا ظلم بل أكثروا له الاستغفار فإنه ما ظلمكم إلا بذنوبكم، و قد سئل الزهري أي
قيل له أنقع في عرض من يسب أبا بكر و عمر رضي اللّه عنهما، قال: نعم، و كان محمد
بن سيرين رحمه اللّه تعالى يقول: من الغيبة المحرمة التي لا يشعر بها أكثر الناس
قولهم إن فلانا أعلم من فلان فإن المفضول يتكدر من ذلك. و من المعلوم أن حد الغيبة
أن يذكر الشخص أخاه بما يكره، و قيل أن طبيبين يهوديين دخلا على سفيان الثوري مرة
فلما خرجا قال لو لا أخشى أن تكون غيبة لقلت إن أحدهما أطب من الآخر.