(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة الحزن على ما فرطوا في جنب اللّه و لو كانوا على عبادة الثقلين لا يرون أنهم
قاموا بواجب حق الربوبية عليهم، و لا فرق في ذلك بين العارف و المبتدئ خلاف ما
عليه بعض المتصوفة في هذا الزمان من قولهم: إنما يكون الخوف للمبتدئ و أما العارف
فلا حزن عليه و لا خوف و هذا من زيادة الجهل، فإن الأكابر قد درجوا كلهم على توالي
الحزن إلى أن ماتوا و لكن يحمل قول من قال من الأكابر أن العارف لا حزن عليه أي
على فوات أمور الدنيا، و أما الآخرة فترك حزنهم على فواتها مذموم، فقد ورد في
الحديث [إن اللّه تعالى يحب كل قلب حزين] يعني على فوات حظه من اللّه تعالى في
الآخرة.
و كان موسى بن سعيد رحمه اللّه تعالى يقول: لقاح العمل الصالح الحزن،
و كان مالك بن دينار رحمه اللّه تعالى يقول: إن القلب إذا لم يكن فيه حزن خرب كما
أن البيت إذا لم يكن فيه ساكن خرب، و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يقول: و
اللّه ما يسع المؤمن في الدنيا إلا الحزن، و كان داود الطائي رحمه اللّه تعالى
يقول: كيف لا يحزن في الدنيا من تتجدد عليه المصائب في كل ساعة- يعني الذنوب-.
و لما مات الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى قال وكيع رحمه اللّه قد
ارتفع الحزن البالغ اليوم من الأرض، و كان عبد الواحد بن زيد رحمه اللّه تعالى
يقول: لو رأيتم الحسن البصري رحمه اللّه تعالى لقلتم إن اللّه تعالى قد بث عليه
حزن الخلائق أجمعين من طول تلك الدمعة و تواصل النشيج، و كان الربيع بن خيثم رحمه
اللّه تعالى يقول: ليس أحد أشد هما في الدنيا من المؤمن، لأنه شارك أهل الدنيا في
المعايش و زاد عليهم باهتمامه بأمر الآخرة.
و قد كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى لا يراه أحد إلا ظن أنه قريب
عهد بمصيبة لما به من شدة الحزن و كذلك أصحابه، و قد كان هرم بن حبان رحمه اللّه
تعالى لم يزل مهموما الشهر و الدهر، فإذا قيل له في ذلك يقول: و من أولى مني بذلك
و أنا لا أعرف ماذا إليه مصيري اه.
فعليك يا أخي بالحزن حتى لا تجد لك وقتا تتفرغ فيه لشيء من شهوات
نفسك في الدنيا و إلا فأنت مغرور فانتبه يا أخي، و الحمد للّه رب العالمين.