لقد سألت اللّه شططا و سألت للناس أن يكونوا
من أهل الشر، و قال رجل لعمر بن عبد العزيز أطال اللّه بقاءك، فقال: هذا أمر قد
فرغ منه ادع لي بصلاح الحال. (قلت) فينبغي للداعي لأخيه بطول البقاء أن ينوي في
نفسه إن كان ذلك خيرا له نظير ما روى فيمن خاف الفتنة، و إلا فقد يكون طول البقاء
شرا لما يقع فيه من المعاصي و المخالفات و نحو ذلك و اللّه أعلم.
و قال رجل لعامر بن قيس رحمه اللّه تعالى: ادع اللّه لي، فقال: و
اللّه إني لأستحي منه عز و جل أن أسأله شيئا يسرني فكيف أسأل لغيري ويحك إنها
شفاعة و لا تكون إلا من المقربين. (قلت) و بالجملة فكل شيخ تصدر في هذا الزمان
فينبغي له أن لا يبادر بالشفاعة في غيره إلا أن علم أن اللّه تعالى عفا عنه، و أن
لا يكون في بطنه لقمة من شبهة فإن دعا لأحد و ليس هو بسالم من ذلك فليسأل و هو في
غاية الحياء و الخجل من اللّه تعالى، و الحمد للّه رب العالمين.
زيادة الخوف من اللّه
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
زيادة الخوف من اللّه تعالى كلما أحسن إليهم و قربهم إلى حضرته كما عليه أهل
مجالسة الملوك و للّه المثل الأعلى، و قد كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يقول:
لقد أدركنا الناس و أحدهم كلما ازداد نعمة من اللّه و قربا كلما ازداد خوفا، و كان
سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: يكفي العامة من الخوف أن ينتهوا عما نهاهم
اللّه تعالى عنه ثم يقول: يا ليتني كنت منهم، و كان حماد بن يزيد رحمه اللّه تعالى
لا يجلس دائما إلا مستوفرا على قدميه، فإذا قيل له ذلك، يقول: إنما يجلس مطمئنا من
أمن من عذاب اللّه عز و جل و أنا و اللّه غير آمن في ليل أو نهار من أن تنزل عليّ
نار من السماء تحرقني. و كان عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه تعالى يقول: لقد رحم
اللّه تعالى الخلق بالغفلة في بعض الأوقات و لو لا ذلك لماتوا من خشية اللّه
تعالى، و كان عطاء السلمي رحمه اللّه تعالى إذا ثارت ريح يصير يقوم و يقعد و يخرج
و يدخل و يأخذ بجلدة بطنه كأنه امرأة أخذها الطلق، و كان أبو سليمان الداراني رحمه
اللّه تعالى يقول: إذا غلب الرجاء على الخوف فسد القلب كما عليه الحمقى من
أمثالنا، و قد كان الشعبي رحمه اللّه تعالى يقول:
خف من اللّه تعالى حتى يأتيك الأمن فإنه أحب إليك من رجائك فيه حتى
يأتيك الخوف.
و كان أبو سليمان الداراني رحمه اللّه تعالى يقول: و اللّه إني لأخاف
أن أكون أول من يسحب على وجهه يوم القيامة إلى النار، و قد غلب الخوف على سفيان
الثوري رحمه اللّه تعالى