به فيرجع عما كان عزم عليه، قال: و هم مرة
أن يأمر الناس بنزع ثياب كانوا يلبسونها حين بلغه أنها تصبغ ببول العجائز فقال له
شخص: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد لبس منها و لبسها الناس في عصره
فاستغفر اللّه تعالى و رجع و قال في نفسه لو كان عدم لبسها من الورع لما لبسها صلى
اللّه عليه و سلم.
و قد بلغنا أن الإمام زين العابدين رضي اللّه عنه قال لولده: اتخذ لي
ثوبا ألبسه عند قضاء الحاجة و أنزعه وقت شروعي في الصلاة فإني رأيت الذباب يجلس
على النجاسة ثم يقع على ثوبي فقال له ولده إنه لم يكن لرسول اللّه صلى اللّه عليه
و سلم إلا ثوب واحد لصلاته و خلائه فرجع الإمام عما كان عزم على فعله، قلت:
المنقول أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم يكن الذباب ينزل على ثوبه و لا على
بدنه فلا يصلح ما ذكر دليلا إلا أن يكون، قال له ولده: لم يأمر أحدا فليتأمل، و
أما ما نقل عن أبي يزيد البسطامي رحمه اللّه تعالى من أنه كان له ثوب لصلاته و ثوب
لخلائه فليس ذلك من حيث وقوع الذباب كما وقع لزين العابدين و إنما ذلك من باب
الأدب أن لا يكون ثوب الخلاء هو ثوب الصلاة نظير ما قالوا في تحريم استقبال القبلة
و استدبارها في الغائط، فطلب الشارع أن لا تكون جهة قضاء الحاجة هي جهة الوقوف
للصلاة فافهم فعليك يا أخي باتباع السنة المحمدية في جميع أفعالك و أقوالك و
عقائدك و لا تقدم على فعل شيء حتى تعلم موافقته للكتاب و السنة انتهى.
فكذب و اللّه و افترى من يقول إن طريق القوم بدعة، و إذا كان من يهاب
مخالفة الشريعة و يتوقف عن العمل حتى يعلم موافقته للشرع مبتدعا فما بقي على وجه
الأرض سني و الحمد للّه رب العالمين.
التفويض إلى اللّه
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة تفويضهم إلى اللّه تعالى في أمر أنفسهم و أولادهم و أصحابهم فلا يكون معولهم
في أمر هدايتهم إلا عليه عز و جل و لا يطلبون شيئا قط بأنفسهم و هم غائبون عن
الاستناد إلى اللّه تعالى، و قد كان ولدي عبد الرحمن ليست له داعية إلى طلب العلم
و كنت في حصر عظيم من جهته فألهمني الحق سبحانه أن أفوض أمره إليه ففعلت فأصبح من
تلك الليلة يطالع في العلم بنفسه من غير أمري له بذلك، و حصلت عنده حلاوة العلم من
تلك الليلة و صار فهمه يرجح على فهم من سبقه بالاشتغال بسنين فأراحني اللّه تعالى
بتفويضي إليه من التعب الذي كنت فيه فاللّه تعالى يجعله من العلماء العاملين بما
علموا آمين.
و قد سمعت شيخنا سيدي عليا الخواص رحمه اللّه تعالى يقول ما ثم أنفع
لأولاد العلماء