هل لك حاجة؟ فقالت: لا غير أنكم ترون أن
النظر إلى وجه العالم عبادة، فأنا أنظر إليك لأجل ذلك، قال: فبكى إبراهيم حتى
خنقته العبرة ثم قال: إن هذه المرأة قد غلطت في أن الذين كان النظر إلى وجوههم
عبادة قد صاروا في المقابر بين أطباق الثرى منذ أربعين سنة مثل أحمد بن حنبل و خلف
بن أيوب و شقيق البلخي و أضرابهم رضي اللّه عنهم فسيري إلى مقابرهم و تأملي فيها.
و كان بشر بن الحارث رحمه اللّه تعالى يقول: ما رأيت أحدا في زماننا
هذا أوتي العلم إلا أكل بدينه ما عدا أربعة: إبراهيم بن أدهم و وهيب بن الورد و
سليمان الخواص و يوسف بن أسباط رضي اللّه عنهم، و كان سفيان الثوري رحمه اللّه
تعالى يقول: من أبكاه علمه فهو العالم، قال تعالى:
[إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ
يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً][1]، و قال تعالى: [إِذا تُتْلى
عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا][2].
فانظر يا أخي في نفسك هل وفيت بحق علمك و عملك كما و فى هؤلاء، أم
أنت عنهم بمعزل و أكثر من الاستغفار ليلا و نهار، و الحمد للّه رب العالمين.
عجز الإنسان
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة الحط على أصحابهم إذا خالطوا الأمراء و كثرة شكرهم لمن نصحهم و كثرة اعتقادهم
الفسق في نفوسهم كلما كثر علمهم و ذلك لعلمهم بعجز الإنسان غالبا عن العمل بكل ما
علم، و إذا لم يعمل الإنسان بكل ما علم انسحب عليه اسم الفسق فيما لم يعمل به، فإن
من العمل بالعلم البعد عن الأمراء و عدم اتخاذ العلم شبكة يصطاد أحدهم بها الدنيا
و المناصب، و عدم الفرح بكبر حلقة درسه و عدم اللذات بقول الناس فلان عالم عامل أو
فلان أعلم أهل هذا البلد و نحو ذلك كما أن من عدم العمل بالعلم أن يغتم من أضداد
هذه الصفات، و كان سيدي علي الخواص رحمه اللّه تعالى يقول: من علامة عدم العمل
بالعلم محبة الصيت بالصلاح و الاشمئزاز من قول الناس فلان محب في الدنيا أو مراء
بعلمه و عمله و نحو ذلك مما ذكرناه في كتابنا البحر المورود في المواثيق و العهود،
فعلم بذلك أن من فرح بما ذكرناه أو انقبض خاطره من ضده فهو لم يعمل بعلمه فليبك
على نفسه.