ملازمة الكتاب و السنة كلزوم الظل للشاخص و لا يتصدر أحدهم للإرشاد
إلا بعد تبحره في علوم الشريعة المطهرة بحيث يطلع على جميع أدلة المذاهب المندرسة
و المستعملة و يصير يقطع العلماء في مجالس المناظرة بالحجج القاطعة أو الراجحة
الواضحة و كتب القوم مشحونة بذلك كما يظهر من أقوالهم و أفعالهم، و قد كان سيد
الطائفة الإمام أبو القاسم الجنيدر رضي اللّه عنه يقول كتابنا هذا- يعني القرآن-
سيد الكتب و أجمعها و شريعتنا أوضح الشرائع و أدقها و طريقتنا- يعني طريق أهل
التصوف- مشيدة بالكتاب و السنة، فمن لم يقرأ القرآن و يحفظ السنة و يفهم معانيهما
لا يصح الاقتداء به، و كان رضي اللّه عنه يقول ما نزل من السماء علم و جعل الحق
تعالى لغير نبي إليه سبيلا إلا و جعل لي فيه حظا و نصيبا، و كان رضي اللّه عنه
يقول لأصحابه لو رأيتم رجلا قد تربع في الهواء فلا تقتدوا به حتى تروا صنعه عند
الأمر و النهي فإن رأيتموه ممتثلا لجميع الأوامر الإلهية مجتنبا لجميع المناهي
فاعتقدوه و اقتدوا به و إن رأيتموه يخل بالأوامر و لا يجتنب المناهي فاجتنبوه
انتهى.
(قلت) و هذا الخلق قد صار غريبا في فقراء هذا الزمان فصار أحدهم
يجتمع بمن ليس له قدم في الطريق و يتلقف منه كلمات في الفناء و البقاء و الشطح بما
لا يشهد له كتاب و لا سنة ثم يلبس له جبة و يرخي له عذبة ثم يسافر إلى بلاد الروم
مثلا و يظهر الصمت و الجوع فيطلب له مرتبا أو مسموحا و يتوسل في ذلك بالوزراء و
الأمراء فربما رتبوا له شيئا فيصير يأكله حراما في بطنه لكونه أخذه بنوع تلبيس على
الولاة و اعتقادهم فيه الصلاح.
و قد دخل على شخص منهم فصار يخوض بغير علم و لا ذوق في الفناء و
البقاء و معه جماعة يعتقدونه فواظبني أياما، فقلت له يوما أخبرني عن شروط الوضوء و
الصلاة ما هي؟
فقال لي: أنا ما قرأت في العلم شيئا فقلت له يا أخي إن تصحيح
العبادات على ظاهر الكتاب و السنة أمر واجب بالإجماع و من لم يفرق بين الواجب و
المندوب و لا بين المحرم و المكروه فهو جاهل، و الجاهل لا يجوز الاقتداء به لا في
طريق الظاهر و لا طريق الباطن، فخرس و لم يرد جوابا ثم انقطع عني من ذلك اليوم و
كان قد أبادني شرا من سوء أدبه فأراحني اللّه منه.
و كان شيخنا سيدي علي الخواص رحمه اللّه يقول إن طريق القوم رضي
اللّه عنهم محررة على الكتاب و السنة تحرير الذهب و الجوهر و ذلك لأن لهم في كل
حركة و سكون نية صالحة