(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
هوان الدنيا عندهم و شدة رفضهم لها عملا بقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:
[إن للدنيا بنين و للآخرة بنين فكونوا من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء
الدنيا]، و قد روى الطبراني و غيره عن أنس رضي اللّه عنه قال: دخلت على رسول اللّه
صلى اللّه عليه و سلم يوما فوجدته يدفع شيئا بيديه فقلت يا رسول اللّه ما هذا الذي
تدفعه فقال: [الدنيا تطاولت لي فقلت لها إليك عني]، و في الحديث أيضا «أن رسول
اللّه صلى اللّه عليه و سلم وقف على مزبلة قوم فرأى شاة ميتة فمسك بأذنها و قال:
أترون هذه هانت على أهلها، فقالوا: من هوانها عندهم ألقوها يا رسول اللّه فقال صلى
اللّه عليه و سلم: [للدنيا أهون على اللّه من هذه على أهلها]، و في حديث آخر [لو
أن الدنيا تزن عند اللّه جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء]، و كان محمد بن
المنكدر رحمه اللّه تعالى يقول: تجيء الدنيا يوم القيامة تتبختر في زينتها فتقول
يا رب اجعلني لأحسن عبادك دارا فيقول اللّه تعالى: لا أرضاك له، اذهبي يا لا شيء
كوني هباء منثورا، و في رواية: فيقول لها اذهبي إلى النار فتقول: يا رب و من يحبني
معي، فيقول لها: و من يحبك فتأخذهم جميعا إلى النار.
و كان أبو حازم رحمه اللّه تعالى يقول: يوقف من يعظم الدنيا بين يدي
اللّه فيقال له:
هذا الذي عظم ما حقره اللّه فيسقط لحم وجهه من الخجل، فمن ادعى أنه
يحب اللّه تعالى و هو يحب الدنيا فهو كاذب لأن من شرط المحب أن يكره ما كرهه
محبوبه، و إن اللّه يكره الدنيا.
و كان مالك بن دينار رحمه اللّه تعالى يقول: بلغنا أن اللّه تعالى
يقول: إن أهون ما أنا صانع بالعالم إذا آثر شهوته علي طاعتي أن أحرمه لذيذ
مناجاتي، و قد كان وهب بن منبه رحمه اللّه تعالى يقول لأصحابه: تعالوا بنا نتوب من
الذنب الذي ترك الناس التوبة منه، فيقولون و ما هو؟ فيقول: حب الدنيا و سوف يحب
الدنيا رجال حتى يعبدوها و يعبدوا أهلها، و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى
يقول: من لم يجعل حب الدنيا من الكبائر فقد أخطأ الطريق و ذلك لأن الكفر ينبني على
الرغبة في الدنيا.
(قلت) و ذلك لأن سبب الكفر باللّه تعالى عصيان ما جاءت به الرسل
عليهم الصلاة و السلام حسدا أو كبرا أو كلاهما من حب الدنيا و اللّه أعلم، و قد
كان عيسى عليه الصلاة و السلام يقول للحواريين: بحق أقول لكم إن حب الدنيا رأس كل
خطيئة، و كان مالك بن