فمن شرح ذلك: أن يكون العبد يريد اللّه، عزّ و جلّ، بجميع أعماله و
أفعاله، و حركاته كلها ظاهرها و باطنها، لا يريد بها إلا اللّه وحده، قائما بعقله
و علمه على نفسه و قلبه، راعيا لهمه، قاصدا إلى اللّه تعالى، بجميع أمره، لا يحب
مدح أحد و لا ثناءه، و لا يفرح بعمله- إذا اطّلع عليه المخلوقون- فإن عارضه من ذلك
شيء اتقاه بالسرعة و الكراهية، و لم يكن إليه، لكن إذا أثنى عليه أحد، حمد اللّه
على ستره عليه حين وفّقه لخير رآه العباد عليه.
نعم ثم يخاف عند ذلك، من عمله الرديء، و سريرته القبيحة، التي خفيت
على الناس و لم تخف على اللّه، فأشفق من ذلك؛ و خاف أن تكون سريرته أقبح من
علانيته.
فهكذا يروى في الحديث:
«السريرة إذا كانت أقبح من العلانية فذلك الجور، فإذا استوت السريرة
و العلانية فذلك العدل، و إذا فضلت السريرة على العلانية فذلك الفضل».
فالواجب على العبد: أن يخفي عمله جهده حتى لا يطلع عليه إلا اللّه
تعالى، فذلك أبلغ في رضا اللّه، عزّ و جلّ، و أعظم في تضعيف الثواب، و أقرب إلى
السلامة؛ و أوهن لكيد العدو، و أبعد من الآفات.
و روي عن سفيان الثوري[1]، رحمه
اللّه، أنه قال: «ما أعبأ بما يظهر من عملي».
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري،
من بني ثور بن عبد مناة، من مضر، أبو عبد اللّه، أمير المؤمنين في الحديث. كان سيد
أهل زمانه في علوم الدين و التقوى. ولد و نشأ في الكوفة، و راوده المنصور العباسي
على أن يلي الحكم فأبى، و خرج من الكوفة سنة 144 ه فسكن مكة و المدينة. ثم طلبه
المهدي، فتوارى و انتقل إلى البصرة فمات فيها مستخفيا. له من الكتب--« الجامع
الكبير» و« الجامع الصغير» كلاهما في الحديث و كتاب في« الفرائض» و كان آية في
الحفظ. من كلامه: ما حفظت شيئا فنسيته. و لابن الجوزي كتاب في مناقبه.
الأعلام 3/ 104، 105، و ابن خلكان
1/ 210، و ابن النديم 1/ 225، و طبقات ابن سعد 6/ 257، و حلية الأولياء 6/ 356 ثم
7/ 3، و تهذيب التهذيب 4/ 111- 115، و تاريخ بغداد 9/ 151.