باب «الصدق في الحلال الصافي، إذا وجدته،
و كيف العمل به؟»
فالصدق في الحلال- إذا وجدته-: أن تأخذ منه ما لا بدّ منه على قدر
معرفتك بنفسك، و ما يقيم ميلها، و لا تحمل عليها فوق طاقتها فتنقطع، و لا تصير
معها إلى ما تهواه من السرف، و لكن خذ ما يقيمك بلا تقتير و لا سرف، في الطعام، و
اللباس، و المسكن، و احذر الفضول مخافة الحساب و طول الوقوف.
فهكذا يروى: أنّ رجلا قال لعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه: «يا أبا
الحسن، صف لنا الدنيا فقال: حلالها حساب، و حرامها عذاب أو عقاب».
فإذا كان العبد ضعيفا، ثمّ ملك الشيء الطيب، حبسه على نفسه و على من
يمون، فأنفق منه بالمعروف مخافة أن يكون، إذا أخرجه، لم يصبر، و جزع: فوقع في ما
هو أردى منه، فكان في حبسه إياه مزريا على نفسه من ادّخاره، حين عدم من نفسه الثقة
باللّه تعالى، و السكون إليه دون الشيء، فيكون كذلك حتى يقوى عزمه.
قلت: فكيف ملك الأنبياء، :، الأموال و الضياع، مثل: داود،
و سليمان، و إبراهيم، و أيّوب، و نظرائهم، و يوسف، 7، على خزائن الأرض،
و محمد صلّى اللّه عليه و سلم، و الصالحين من بعد؟
فقال: هذه مسألة كبيرة، و فيها كثير؟.
اعلم أنّ الأنبياء، :، و العلماء، و الصالحين من بعدهم،
رضي اللّه عنهم: أمناء اللّه تعالى، في أرضه على سرّه، و على أمره، و نهيه، و
علمه، و موضع و ديعته، و النصحاء له في خلقه و بريته، و هم الذين عقلوا عن اللّه
تعالى، أمره و نهيه، و فهموا لماذا خلقهم، و ما أراد منهم، و إلى ما ندبهم؟
فوافقوه في محبته، و نزلوا في الأمور عند مشيئته، ثم وقفوا عند ذلك مواقف العبيد
الألباء، القابلين عن اللّه، و الحافظين لوصيته، و أصغوا إليه بآذان فهومهم
الواعية، و قلوبهم الطاهرة، و لم يتخلفوا عن ندبته، فسمعوا اللّه عزّ و جلّ يقول: