و التشوف[1]،
فهما خير أعوانه عليك، و بهما يقوي كيده، و إذا اتبعتهما فأحضر عقلك و علمك الذي
علمك اللّه تعالى، فقم بهما على نفسك، وراع قلبك و ما يقع فيه، فما كان من أجناس
الخير و العلم فاتبعه، و ما كان من جنس الباطل و الهوى فانفه بالسرعة، و لا تماد
على الخطرة[2] فتصير
شهوة، ثم تصير الشهوة همة[3]، ثم تصير
الهمة فعلا.
و اعلم أنّ عدوك: إبليس لا يغفل عنك في سكوت و لا كلام، و لا صلاة و
لا صيام، و لا بذل و لا منع، و لا سفر و لا حضر، و لا تفرد و لا خلطة، و لا في
توقر و لا عجلة، و لا في نظر و لا في غض بصر، و لا في كسل و لا في نشاط، و لا في
ضحك، و لا في بكاء، و لا في إخفاء و لا في إعلان، و لا حزن و لا فرح، و لا صحة و
لا سقم، و لا مسألة و لا جواب، و لا علم و لا جهل، و لا بعد و لا قرب، و لا حركة و
لا سكون، و لا توبة و لا إسرار.
و لن يألو جهدا في توهين عزمك، و فتور نيتك، و تأخير توبتك، و يسوّف
برّك وقتا إلى وقت، و يأمرك بتعجيل ما لا يضرك تأخيره، يريد بذلك قطعك من الخير،
ثم يذكرك في وقت شغلك بالبر و الطاعة، الحوائج، ليقطعك عن خير أنت فيه.
و ربما حبب إليك النقلة من بلد إلى بلد: يوهمك أن غير البلد الذي أنت
فيه أفضل، ليشغل قلبك، و يعطل مقامك بما يعقبك الندم إذا أنت فعلته.
فاحترس عن عدوك أشدّ الاحتراس و تحصن منه بالملجأ إلى اللّه، عزّ و
جلّ، فإنه: أمنع الحصون، و أقوى الأركان! فاجعل اللّه تعالى: كهفك و ملجأك، و احذر
عدوك عند الغضب و الحدة، فإنك، إن استقبلك في هيج الغضب، ذكر اللّه تعالى، و علمت
أنه شاهدك، أطفأت بمراقبته نيران العزّ و توقد الحمية، و أجللت من قد علمت: أنه
يراك من أن تحدث في غضبك ما تستحق به غضبه، فإن الشيطان يغنم منك هيج الغضب و حمية
الشهوة.
و أما حذرك إياه عند الحدة، فإنه يقال: إنّ الشيطان يقول: «إنّ
الحديد من العباد لن نأيس منه، و لو كان يحيي بدعائه الموتى، لأنه تأتي عليه ساعة
يحتد، فنصير منه إلى ما نريد».
«و من يعتصم باللّه فقد هدي إلى صراط مستقيم»!
[1] - تشوّف فلان إلى الشيء: تطلّع إليه و نظر و طمح
بصره إليه.
[2] - الخطرة: الحين. و الخاطر: ما يخطر بالذهن من رأي
أو أمر أو معنى.