إنى لأخشى أن يتفرق على همى[2]،
و لكن شارطوا المعلم: أنى أذهب إليه ساعة، فأتعلم، ثم أرجع.
فمضيت إلى الكتاب، و حفظت القرآن، و أنا ابن ست سنين أو سبع سنين، و
كنت أصوم الدهر، و قوتى خبز الشعير، إلى أن بلغت إثنتى عشرة سنة، فوقعت لى مسألة و
أنا ابن ثلاث عشرة سنة، فسألت أهلى أن يبعثونى إلى البصرة أسأل عنها، فجئت البصرة
و سألت علماءها فلم يشف أحد منهم عنى شيئا!!
فخرجت إلى «عبادان»، إلى رجل يعرف بأبى حبيب حمزة بن عبد اللّه
العبادانى، فسألته عنها فأجابنى. و أقمت عنده مدة أنتفع بكلامه و أتأدب بآدابه، ثم
رجعت إلى «تستر» فجعلت قوتى اقتصارا على أن يشترى لى بدرهم من الشعير «الفرق»[3] فيطحن و يخبز لى، فأفطر عند السحر
كل ليلة على أوقية واحدة بحتا، بغير ملح و لا إدام فكان يكفينى ذلك الدرهم سنة.
ثم عزمت على أن أطوى ثلاث ليال، ثم أفطر ليلة. ثم خمسا، ثم سبعا، ثم
خمسا و عشرين ليلة. و كنت عليه[4] عشرين
سنة، ثم خرجت أسيح فى الأرض سنين، ثم رجعت إلى «تستر» و كنت أقوم الليل كله.
سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا العباس البغدادى يقول: سمعت
إبراهيم بن فراس يقول: سمعت نصر بن أحمد يقول: قال سهل بن عبد اللّه:
كل فعل يفعله العبد بغير اقتداء، طاعة كان أو معصية، فهو عيش النفس[5]، و كل فعل يفعله بالاقتداء فهو
عذاب على النفس[6].