نام کتاب : الرسالة القشيرية نویسنده : القشيري، عبد الكريم جلد : 1 صفحه : 380
فمضت، فوجدته، ثم عادت تشكر له فقيل للجنيد:
بم عرفت ذلك؟ فقال: قال اللّه تعالى: «أَمَّنْ يُجِيبُ
الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ»[1].
و قد اختلف الناس فى أن: الأفضل الدعاء، أم السكوت و الرضا؟ فمنهم من
قال: الدعاء فى نفسه عبادة، قال صلى اللّه عليه و سلم «الدعاء مخ العبادة» و
الإتيان بما هو عبادة أولى من تركه[2]،
ثم هو حق اللّه تعالى فان لم يستجب للعبد، و لم يصل[3]
إلى حظ نفسه فلقد قام بحق ربه؛ لأن الدعاء إظهار فاقة العبودية، و قد قال أبو حازم
الأعرج: لئن أحرم الدعاة أشد على من أن أحرم الإجابة. و طائفة قالوا: السكوت و
الخمول تحت جريان الحكم أتم، و الرضا بما سبق من اختيار الحق أولى، و لهذا قال
الواسطى: اختيار ما جرى لك فى الأزل خير لك من معارضة الوقت، و قد قال صلى اللّه
عليه و سلم خبرا عن اللّه تعالى:
«من شغله ذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين»[4] و قال قوم:
يجب أن يكون العبد صاحب دعاء بلسانه و صاحب رضا بقلبه: ليأتى بالأمرين
جميعا.
و الأولى أن يقال: إن الأوقات مختلفة، ففى بعض الأحوال الدعاء أفضل
من السكوت، و هو الأدب، و فى بعض الأحوال السكوت أفضل من الدعاء، و هو الأدب، و
إنما يعرف ذلك فى الوقت، لأن علم الوقت إنما يحصل فى الوقت فاذا وجد بقلبه إشارة
إلى الدعاء فالدعاء له أولى، و إذا وجد إشارة إلى السكوت فالسكوت له أولى.
و يصح أن يقال: ينبغى للعبد أن لا يكون ساهيا عن شهود ربه تعالى فى
حال دعائه، ثم يجب عليه أن يراعى حاله، فان وجد من الدعاء زيادة بسط[5] فى وقته فالدعاء له أولى ... و إن
عاد إلى قلبه فى وقت الدعاء شبه زجر و مثل قبض،
[4] - أخرجه الدارمى فى فضائل القرآن. و أخرجه الترمذى
فى أبواب فضائل القرآن و لفظه: عن أبى سعيد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و
سلم: يقول الرب تبارك و تعالى من شغله القرآن عن ذكرى، و مسألتى أعطيته أفضل ما
أعطى السائليين، و فضل كلام اللّه على سائر الكلام كفضل اللّه على خلقه» و قال
الترمذى حديث حسن غريب.