هو عند فقد الصبر بما تنطوي عليه الضلوع، فالمحب عند ما يفقد كل ما
كان يشهده من صور التجلي الجمالي، يسكب الدمع و يشكو حرقة الشوق الذي بفؤاده مما
حل به، فلا يقدر على الكتمان و الصبر، و يظهر فيه سلطان الوجد و الإفشاء و
الإعلان، فتأبى الدموع بانسكابها إلا الإفشاء و البوح، فإن الوجد أملك، و هو أبلغ
في المحبة من الكتمان، فإن صاحب الكتمان له سلطان على الحب، و البائح يغلب عليه
سلطان الحب فهو أعشق، و أما قول القائل:
باح
مجنون عامر بهواه
و
كتمت الهوى فمتّ بوجدي
فإذا
كان في القيامة نودي
من
قتيل الهوى تقدمت وحدي
فإن هذا القائل لم يتمكن منه الحب تمكن من لم يترك فيه سلطانا لغيره،
فإن الذي حجب الحب عن ظهور سلطانه أقوى منه، فكان أغلب عليه، و لا خير في حب يدبر
بالعقل، بل أحكام المحبة تناقض العقول، فإن الحب غلاب، لا يبقي سترا إلا هتكه، و
لا سرا إلا أعلنه، زفراته متصاعدة، و عبراته متتابعة، تشهد جوارحه بما تحمله من
الأسقام و السهر، و تنمّ به أحواله، إن تكلم تكلم بما لا يعقل، ما له صبر و لا
جلد، همومه مترادفة و غمومه متضاعفة. (ذخائر الأعلاق- المسامرات- ف ح 2/ 361)