نَاحِيَةِ الْبَيْتِ وَ أَنْبَهْتُ دَاوُدَ فَوَجَدْتُهُ حَائِراً قَدِ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ فَكَرِهْتُ أَنْ أُخْبِرَهُ بِمَا كَانَ وَ جَزِعْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَوَجَدْتُ ذَلِكَ الثُّعْبَانَ كَذَلِكَ فَفَعَلْتُ بِهِ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَ حَرَّكْتُ دَاوُدَ فَأَصَبْتُهُ مَيِّتاً فَمَا رَفَعَ جَعْفَرٌ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ حَتَّى سَمِعَ الْوَاعِيَةَ قَالَ الرَّبِيعُ الْحَاجِبُ أَخْبَرْتُ الصَّادِقَ بِقَوْلِ الْمَنْصُورِ لَأَقْتُلَنَّكَ وَ لَأَقْتُلَنَّ أَهْلَكَ حَتَّى لَا أُبْقِيَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْكُمْ قَامَةَ سَوْطٍ وَ لَأُخَرِّبَنَّ الْمَدِينَةَ حَتَّى لَا أَتْرُكَ فِيهَا جِدَاراً قَائِماً فَقَالَلَا تَرُعْ مِنْ كَلَامِهِ وَ دَعْهُ فِي طُغْيَانِهِ فَلَمَّا صَارَ بَيْنَ السِّتْرَيْنِ سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ أَدْخِلُوهُ إِلَيَّ سَرِيعاً فَأَدْخَلْتُهُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَرْحَباً يَا ابْنَ الْعَمِّ النَّسِيبِ وَ بِالسَّيِّدِ الْقَرِيبِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ وَ أَجْلَسَهُ عَلَى سَرِيرِهِ وَ أَقْبَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَ تَدْرِي لِمَ بَعَثْتُ إِلَيْكَ فَقَالَ وَ أَنَّى لِي عِلْمٌ بِالْغَيْبِ قَالَ أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ لِتُفَرِّقَ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ فِي أَهْلِكَ وَ هِيَ عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ فَقَالَ وَ لَهَا غَيْرِي فَقَالَ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَتُفَرِّقُهَا عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِكَ ثُمَّ عَانَقَهُ بِيَدِهِ وَ أَجَازَهُ وَ خَلَعَ عَلَيْهِ وَ قَالَ يَا رَبِيعُ أَصْحِبْهُ قَوْماً يَرُدُّونَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قُلْتُ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقَدْ كُنْتَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَيْهِ غَيْظاً فَمَا الَّذِي أَرْضَاكَ عَنْهُ قَالَ يَا رَبِيعُ لَمَّا حَضَرْتُ الْبَابَ رَأَيْتُ تِنِّيناً عَظِيماً يَقْرِضُ أَنْيَابَهُ[1] وَ هُوَ يَقُولُ بِأَلْسِنَةِ الْآدَمِيِّينَ إِنْ أَنْتَ أَشَكْتَ[2] ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ لَأَفْصِلَنَّ لَحْمَكَ مِنْ عَظْمِكَ فَأَفْزَعَنِي ذَلِكَ وَ فَعَلْتُ بِهِ مَا رَأَيْتَ.
وَ فِي التَّرْهِيبِ وَ التَّرْغِيبِ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْأَصْفَهَانِيِّ وَ الْعِقْدِ عَنِ ابْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْدُلُسِيِ أَنَّ الْمَنْصُورَ قَالَ لَمَّا رَآهُ قَتَلَنِي اللَّهُ إِنْ لَمْ أَقْتُلْكَ فَقَالَ لَهُ إِنَّ سُلَيْمَانَ أُعْطِيَ فَشَكَرَ وَ إِنَّ أَيُّوبَ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ وَ إِنَّ يُوسُفَ ظُلِمَ فَغَفَرَ وَ أَنْتَ عَلَى إِرْثٍ مِنْهُمْ وَ أَحَقُّ بِمَنْ تَأَسَّى بِهِمْ فَقَالَ إِلَيَّ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَأَنْتَ الْقَرَابَةُ وَ ذُو الرَّحِمِ الْوَاشِجَةِ[3] السَّلِيمُ النَّاحِيَةِ الْقَلِيلُ الْغَائِلَةِ ثُمَّ صَافَحَهُ بِيَمِينِهِ وَ عَانَقَهُ بِشِمَالِهِ وَ أَمَرَ لَهُ بِكِسْوَةٍ وَ جَائِزَةٍ.
وَ فِي خَبَرٍ آخَرَ عَنِ الرَّبِيعِ أَنَّهُ أَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ فَقَالَ لَهُ ارْفَعْ حَوَائِجَكَ فَأَخْرَجَ
[1] القرض: القطع و القبض.
[2] قال في البحار و اشكت اي ادخلت الشوك في جسده مبالغة في تعميم أنواع الضرر( انتهى) أقول: و يمكن أن يكون مأخوذا من قولهم اشكى فلانا: فعل به فعلا أحوجه الى أن يشكوه.
[3] من وشج الاغصان: اشتبكت.