أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ إِنِّي لَمْ أَذْكُرْ مَصْرَعَ بَنِي فَاطِمَةَ إِلَّا خَنَقَتْنِي الْعَبْرَةُ وَ فِي رِوَايَةٍ أَ مَا آنَ لِحُزْنِكَ أَنْ يَنْقَضِيَ فَقَالَ لَهُ وَيْحَكَ إِنَّ يَعْقُوبَ النَّبِيَّ كَانَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ ابْناً فَغَيَّبَ اللَّهُ وَاحِداً مِنْهُمْ فَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنْ كَثْرَةِ بُكَائِهِ عَلَيْهِ وَ احْدَوْدَبَ[1] ظَهْرُهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَانَ ابْنُهُ حَيّاً فِي الدُّنْيَا وَ أَنَا نَظَرْتُ إِلَى أَبِي وَ أَخِي وَ عَمِّي وَ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي مَقْتُولِينَ حَوْلِي فَكَيْفَ يَنْقَضِي حُزْنِي وَ قَدْ ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ نَحْوَهُ- وَ قِيلَ إِنَّهُ بَكَى حَتَّى خِيفَ عَلَى عَيْنَيْهِ.
وَ كَانَ إِذَا أَخَذَ إِنَاءً يَشْرَبُ مَاءً بَكَى حَتَّى يَمْلَأَهَا دَمْعاً فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ وَ كَيْفَ لَا أَبْكِي وَ قَدْ مُنِعَ أَبِي مِنَ الْمَاءِ الَّذِي كَانَ مُطْلَقاً لِلسِّبَاعِ وَ الْوُحُوشِ.
وَ قِيلَ لَهُ إِنَّكَ لَتَبْكِي دَهْرَكَ فَلَوْ قَتَلْتَ نَفْسَكَ لَمَا زِدْتَ عَلَى هَذَا فَقَالَ نَفْسِي قَتَلْتُهَا وَ عَلَيْهَا أَبْكِي.
الْأَصْمَعِيُ كُنْتُ بِالْبَادِيَةِ وَ إِذَا أَنَا بِشَابٍّ مُنْعَزِلٍ عَنْهُمْ فِي أَطْمَارٍ رَثَّةٍ[2] وَ عَلَيْهِ سِيمَاءُ الْهَيْبَةِ فَقُلْتُ لَوْ شَكَوْتَ إِلَى هَؤُلَاءِ حَالَكَ لَأَصْلَحُوا بَعْضَ شَأْنِكَ فَأَنْشَأَ يَقُولُ
لِبَاسِيَ لِلدُّنْيَا التَّجَمُّلُ وَ الصَّبْرُ
وَ لُبْسِيَ لِلْأُخْرَى الْبَشَاشَةُ وَ الْبِشْرُ
إِذَا اعْتَرَنِي أَمْرٌ لَجَأْتُ إِلَى الْعَرَا
لِأَنِّي مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ لَهُمْ فَخْرٌ
أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْعُرْفَ قَدْ مَاتَ أَهْلُهُ
وَ أَنَّ النَّدَى وَ الْجُودَ ضَمَّهُمَا قَبْرٌ
عَلَى الْعُرْفِ وَ الْجُودِ السَّلَامُ فَمَا بَقِيَ
مِنَ الْعُرْفِ إِلَّا الرَّسْمُ فِي النَّاسِ وَ الذِّكْرُ
وَ قَائِلَةٍ لَمَّا رَأَتْنِي مُسَهَّداً
كَأَنَّ الْحَشَى مِنِّي يَلْذَعُهَا الْجَمْرُ
أُبَاطِنُ دَاءً لَوْ حَوَى مِنْكَ ظَاهِراً
لَقُلْتُ الَّذِي بِي ضَاقَ عَنْ وُسْعِهِ الصَّدْرُ
تَغَيُّرَ أَحْوَالٍ وَ فَقْدَ أَحِبَّةٍ
وَ مَوْتَ ذَوِي الْإِفْضَالِ قَالَتْ كَذَا الدَّهْرُ
فَتَعَرَّفْتُهُ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع فَقُلْتُ أَبَى أَنْ يَكُونَ هَذَا الْفَرْخُ إِلَّا مِنْ ذَلِكَ الْعُشِ[3].
[1] احدودب: صار أحدب و هو الذي خرج ظهره و دخل صدره و بطنه.
[2] الاطمار جمع الطمر بالكسر: الثوب البالى و الرث أيضا بمعناه.
[3] العش: موضع الطائر.« آشيانه».