لا تنقّي عليها خيانة الخزّان. فقد حكي أن
بعض الخلفاء[1] قال يوما
لحاجبه: ارفع إلينا حوائجك فقد خفّفت حتى ثقلت. و قلّلت حتى[2]
كثرت. فقال: و اللّه! ما أستنزر فضلك، و لا أستصغر برك، و لا أستقصر عمرك و لا
أغتنم مالك و برك. و إن عندي في تأميلي إياك لأفضل من يومي فيما قد نلته من سعة
فضلك. و لكن هذا عبدك ولدي فلان أوثر أن تقرّبه و تحبوه[3]
و تحبه. فقال: أما الحباء و التقريب فقد يوجد السبيل إليهما. و أما المحبة فليست
بمال يوهب و لا بمزية تبذل. و إنما يوجبها أسباب و توكّدها أحوال.
فقال: اجعل له إلى ذلك طريقا بالتفضّل عليه. فإنك إذا أحسنت إليه
أحبك، فإذا أحبك أحببته.
فقال: أما التقريب فقد أذنت لك في استنابته عنك في الحجبة، و أما
الحباء فقد وصلته بكذا و كذا، و لم أصل به أحد إلّا عمومتي.
و لكن كيف سألت له المحبة من بين سائر الأمور و قرنتها بالحباء و
التقريب؟
قال: لأنها مفتاح كلّ خير، و مغلاق كلّ شر. تستتر بها عنك عيوبه. و
تصير بها حسنات ذنوبه.
قال لها الملك- أي للحظيّة[4]-
إن ذلك يفتقر إلى حسن تلطّف في استدعاء هذا المطلوب. و لطيف توصل في تحصيل مودّات
القلوب فهل تعرفين في ذلك مثلا مضروبا. و فعلا صار به
[1] بعض الخلفاء: المقصود هنا المأمون عبد اللّه بن
هارون الرشيد.