لشيءٍ من
الكمالات أصلًا، لا ذهناً ولا عقلًا ولا خارجاً.
والكمالات
كلّها من ناحية الوجود، والشرور كلّها من العدم، فإذا تمّ الوجود فقد تمّ الكمال
وثبت استحالة الشريك؛ لأنّ واجب الوجود هو تمام تلك الحقيقة، وصرف حقيقة الشيء لا
تتثنّى ولا تتكرّر، كما هو ظاهر جدّاً لمن تدبّر، وإلّا لزم الخلف الواضح. فإذاً
حقيقة الوجود لا ثاني لها أبداً.
والناقص
والناقصان يندرجان في القسم الثاني من الوجود، وهو عبارة عن: الممكنات المحتاجة في
وجودها إلى واجب بالذات؛ إذ ذواتها ليس صرف الوجود، بل هي مركّبة منه ومن العدم،
وموجودة لا عن قِدم، فبالضرورة يحكم العقل بأنّ لوجودها سبباً وعلّة غير محتاج في
وجوده إلى ذلك، وإلّا لكان حكمه حكمها، بل لَما صحّ ولا أمكن وجود ممكن أبداً.
وقد
سردنا هنا لك بفضل اللَّه (تعالى) من براهين التوحيد ما ليس عليها من مزيد، تغنيك
بوضوحها وإتقانها عند التأمّل عن الدوران حول دائرة الدور والتمسّك بسلسلة
التسلسل، وتندفع به جميع ما أُورد في هذا المقام من الشبهات، وينحلّ ما انعقد
وأعضل عندهم من التشكيكات.
وانقلع
أساس الشركة في الأُلوهية والتعدّد في الربوبية، ولم يبق لشبهة (ابن كمّونة)[1]
وأمثالها مجال صدور في الصدور فضلًا عن ورود أو ظهور أو
[1] وهو القائل: بأنّه لِمَ لا يجوز أن تكون هناك
ماهيتان بسيطتان مجهولتا الكنه متباينتان بتمام الذات، ويكونقول الوجود عليهما
قولًا عرضياً، فيكون الاشتراك بينهما في هذا المعنى العرضي المنتزع عن نفس ذات
كلٍّ منهما، والافتراق بصرف حقيقة كلٍّ منهما؟!
وهذه الشبهة كما تجري على القول
بأصالة الماهية المنسوب إلى الإشراقيّين، تجري كذلك على القول بأصالة الوجود وكون
الموجودات حقائق بسيطة متباينة بتمام الذات المنسوب إلى المشّائين.
والحجّة مبنية على أصالة الوجود
وكونه حقيقة واحدة مشكّكة ذات مراتب مختلفة.
وابن كمّونة ليس أوّل من اعترته
هذه الشبهة، بل هو الذي قرّرها بأتمّ وجه، فاشتهرت باسمه.