هكذا
يرتقي الإنسان في هيكل جسمه وأعضائه، وبمثل ذلك رقيّه في علومه وأفكاره وآرائه.
فسير
قواه المادّية والأدبية على سنن واحد، يسيران- على الأغلب- معاً كتفاً إلى كتف وجنباً
إلى جنب، والكلّ على نواميس محدودة وقواميس مجارٍ مقرّرة، لا طفرة في الكون ولا
فجأة.
وجميع
العلوم والصنائع والكمالات كلّها مرتهنة بهذه السنّة، لا تحيد عنها ولا تزول
إلّابخرق عادة ممّا لا يقاس عليه، ولا يلتفت في الحكم بالكلّيات إلى مثله.
وجد
الإنسان بمكان من الضعف في جميع قواه حتّى من القبض والبسط والأخذ والدفع والقيام
والقعود، ولكن في صميمه الجوهرة المستعدّة لبلوغ أقصى غايات المجد والتربّع على
منصّة عرش الشرف، لا كيفما كان وكلّما اتّفق، بل حيث يستنّ ويتسنّى له السير على
لاحب من التربية الصحيحة وجدد من الخطّة العادلة.
ذاك
حيث يدخل إلى كلّ فنٍّ من بابه، ويطلب كلّ شيء من أسبابه، ويرجع في كلّ علم إلى
أربابه، ويتحصّل الغايات من مبادئها المقرّرة لها والطرق المسلوكة إليها، ثمّ له-
بعد ذلك- حرّية الإرادة وسلامة الاختيار ومكانة الجرح والتعديل.
وإلّا
فلو تهجّم أحد على أيّ علم من العلوم وفنٍّ من الفنون- من دون أخذه من مبادئه
وتلقّيه عن أهليه وسيره على النهج الذي يلزم فيه- لا يعتم أن يكون مشيه فيه مشية
السرطان معكوسةً إلى وراء، لا تزيده كثرة السير عن غايات ذلك