يقول
الشريف الرضيّ في تفسير هذا الكلام: «والمتأمّل فيه يجد تحته من المعنى العجيب،
والغوص البعيد ما لا يُبلغ غايتهُ، ولا يدرك غوره»، وهذا الذي يذكره الإمام عليّ
بن أبي طالب (ع) نحوان من الرؤية: أحدهما (إبصار بالدنيا) وهي نظرة الاعتبار،
والثاني (إبصار إلى الدنيا)، وهي نظرة الاغترار والافتتان، ولابدّ لذلك من إيضاح:
إنّ
الدنيا قد تكون مرآة ينظر بها الإنسان، وقد تكون غايّة ينظر إليها الإنسان وهما
نحوان من الرؤية.
فإذا
كانت الدنيا مرآة ينظر بها الإنسان إلى الحضارات البائدة، وإلى الذين طغوا
واستكبروا على وجه الأرض، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ... فإن هذه النظرة تكون
نظرة (اعتبار) و (اتعاظ).
وأمّا
عندما تكون الدنيا غايّة ينظر إليها الإنسان وينشد إليها، فإن الدنيا تستهويه،
وتفتنه، وتعميه، ويراها حلوة، خضرة.
والنظرة
الاولى مادّة للاعتبار، والثانيّة مادّة للافتتان والاغترار، وفي الاولى وعي
وبصيرة، وفي الثانيّة تلبيس وغرور.
ولابن
أبي الحديد في شرح هذه الكلمات بيتان في توضيحها، يقول: ونظرت إلى قوله (ع): «من
أبصر بها بصّرته، ومن أبصر إليها أعمته» فقلت: