كثرة الخدمات وسعتها

في هذا القسم نعرض للخدمات التي قدمها الإيرانيون للإسلام. وقد قلنا في أوّل القسم‌الثاني: إنّ خدمة الأُمّة لدين من الأديان هي أن تجعل قواها وطاقاتها وإمكاناتها المادية والمعنوية واستعداداتها الفكرية في خدمة ذلك الدين، وأن تخلص له في ذلك كله.

وإنّ الإيرانيين جعلوا مايملكون من الطاقات والامكانات في خدمة الإسلام أكثر من أيّة أُمّة أُخرى، وأثبتوا من أنفسهم الإخلاص في هذا السبيل أكثر وأظهر من أيّة أُمّةأُخرى، وإنّ أيةأُمّة أُخرى لم‌تبلغ مابلغه الإيرانيون من الخدمة والإخلاص للإسلام، وحتى من العرب الذين ظهر الإسلام بين ظهرانيهم وعلى أيديهم. ونهدف في هذا القسم من الكتاب الى إثبات هذه الدعوى، ولا سيّما إخلاصهم له.

والكلام حول خدمة الإيرانيين للإسلام كثير، إلّا أنّهم قلّما يلتفتون الى نقطة، أنّ الإيرانيين إنّما أوجدوا عبقرياتهم في ظلّه وفي سبيله، وأنّ الذي يخلق العبقريات ليس إلّا الإيمان والإخلاص. والحقيقة أنّ الإسلام هو الذي ضخّ في الإيراني روحاً جديدة وبعثه من جديد ودفع باستعداداته الى الحياة، وإلّا فلماذا لم يبد الإيرانيون واحداً بالمائة من هذه الخدمة في سبيل دينهم القديم؟!

وكما أنّ الإسلام دين يسيطر على مختلف جوانب الحياة البشرية ويشمل جميع نواحيها؛ كذلك نرى أنّ خدمة الإيرانيين للإسلام خدمة تشمل جميع جوانب الإسلام وأنّها قد تحققت في مختلف الجوانب والصُعد. وسنشير نحن في هذا المختصر الى جميع هذه الجهات والجوانب في حدود ما نطلع عليه ولو بالإجمال والاختصار.

إنّ أولى الخِدمات‌التي ينبغي‌أن نذكرها هنا هي خدمة الحضارة الإيرانية العريقة والقديمة للحضارة الإسلامية الحديثة، فقد قدّمت تلك الحضارة القديمة لهذه‌