وبما أنّ أغلب الذين أَجروا أقلامهم في هذه المسائل المشتركة بين الإسلام وإيران، إمّا لم يكن له الإطّلاع الكافي على جوانب الموضوع، أو كان ما يبعثهم على البحث دافع آخر غير التحقيق ... لذلك فإنّ هذه المسائل لم تُطرح الى الآن بصورة صحيحة، مع مالها من الأرضية الواضحة. أنا كلّما طالعت في هذا الموضوع أكثر فأكثر التفتّ أكثر من ذي قبل الى أنّ هذا البحث ممّا يبعث على الفخر، للإسلام وإيران كليهما! أمّا أنّه يبعث على الفخر للإسلام: فلأنّه يثبت أنّ هذا الدين بما فيه من «إنسانية فذّة وعطاء خالد» استطاع أن يجتذب الى نفسه أُمّة متحضّرة متمدّنة مثقّفة مفكّرة، بل وأن يصهرها في نفسه. وأمّا أنّه مفخرة لإيران: فلأنّه يثبت أنّ هذه الأُمة بما فيها من روح حبّ الحقيقة والثقافة، بما هي عليه من المرونة والوجدان وعدم التعصّب، كانت أسبق أُمّة الى الخضوع للحقيقة المتمثلّة بالإسلام- بل والى التضحية والفداء في سبيلها-.

وممّا لاحظته أيضاً ضمن مطالعاتي في الموضوع، هو: أنّ التحريفات التي تحقّقت حول هذا الموضوع أكثر ممّا كنت أتصوّر، وأنّ السّعي حثيث لتصوير العلاقات بين الإسلام وإيران على خلاف الواقع والحقيقة.

فقد حدثت في إيران حوادث أصبحت مستمسكاً لبعض المغرضين من المستشرقين وغيرهم، ممّا جرّأهم على أن يصوروها بعناوين: «المقاومة» وردّ الفعل الإيراني المخالف أمام الإسلام. وذلك من قبيل الحركات الشعوبية، والتصوّف. بل وحتّى التشيّع ... كما صوّروا بعض الشخصيات الفارسية بمظاهر هذه المقاومة السلبية من أمثال الحكيم الإيراني العظيم أبي القاسم الفردوسي، والفيلسوف الكبير الشيخ شهاب الدين السُهروردي المعروف بلقب «شيخ الإشراق».

وباستطاعة مباحث هذا الكتاب أن تكون إجابة مفيدة على جميع هذه المسائل. وقد كنت أحببت أن أبحث حول أفكار الفردوسي وشيخ الإشراق بحثاً مستقلًا أُحلّل‌