انكشف له
عدم توجّه ضرر منهم إليه واقعا لو كان أتى بالتكليف الأوّلي، لجهة من الجهات
المغفول عنها. فإن موضوع التقية حينئذ تحقّق في الخارج واقعا، إلّا أنّ احتماله و
خوفه لم يطابق الواقع. و من الواضح أنّ ملاك مشروعية التقية نفس الخوف و احتمال
الضرر، لا الضرر الواقعي. فهاهنا- بعد المفروغية عن مشروعية التقية و تحقّق
موضوعها- وقع الكلام في إجزاء المأتيّ به عن تقية.
و
السرّ في ذلك ظهور الأدلّة الاضطرارية في أنّ موضوع التكليف الاضطراري هو الاضطرار
الواقعي، لا التخيّلي الوهمي، كما هو ظاهر أيّ خطاب شرعي؛ إذا الخطابات الشرعية من
قبيل القضايا الحقيقية. و شأنها جعل الحكم للموضوع المقدّر وجوده الواقعي. و
مقتضاها ثبوت الحكم لموضوعه المتحقّق واقعا لا تخيّلا و وهما.
بيان
ذلك: إنّ الدليل على بطلان المأتيّ به تقية و عدم إجزائه في مفروض الكلام، إنّما
هو عدم الدليل على مشروعيته. و ذلك لأنّ المأتيّ به العبادي يحتاج في مشروعيته إلى
الدليل الشرعي و تعلّق الأمر به لكي يمكن قصد امتثاله.
و
عليه فما لم يثبت تعلّق أمر الشارع به بدليل شرعي، لا يمكن الإتيان به بقصد امتثال
الأمر، فليس بعبادة مشروعة. كما أنّ المأتيّ به المعاملي يحتاج في صحته و سببيته
الشرعية للنقل و الانتقال إلى إمضاء من الشارع ثابت بدليل قطعي شرعي حتّى ترفع
لأجله اليد عن أصالة بقاء الملك و عدم انتقاله إلى الغير.
و
ذلك الدليل المخرج في المقام: إمّا هو السيرة، كما يقول به. السيّد الخوئي؛ حيث
علّل بطلان الوضوء و الصلاة في مفروض الكلام بقوله: «و ذلك لأنّ مدرك صحّة العمل
المأتيّ به تقية و إجزائه عن المأمور به الواقعي، إنّما هو السيرة العملية، كما
مرّ. و من المعلوم أنّها إنّما كانت متحقّقة عند إتيان العمل على طبق مسلك العامّة
عند وجودهم و حضورهم عنده. و أمّا العمل طبق مذهبهم، من دون أن يكون