الثانية:
تقسيمها بلحاظ ملاكات تشريعها: و ذلك لاختلاف المناطات و تنوّع الجهات الّتي
لأجلها شرّعت التقية، من خوف ضرر ديني أو دنيوي، أو مداراة لجرّ مودّة، أو اضطرار
أو إكراه. و سيأتي هاهنا تعريف كلّ قسم.
و
جعل السيّد الإمام الراحل[1] هذا النوع
من تقسيم التقية بحسب ذاتها.
و
لكن ما قلناه هو الأنسب.
الثالثة:
تقسيمها بلحاظ شخص المتّقي؛ حيث إنّه تارة: يكون من العوام، و اخرى: من الرؤساء و
السلاطين و الامراء و الحكّام. و ثالثة: من الفقهاء و العلماء. فربما تحرم التقية
على القائد الديني و مرجع المسلمين، و إن كان انجرّ تركها إلى قتله، كما إذا كانت
التقية منه موجبة لوهن الدين و المذهب و انحراف الامّة و ضلالتهم.[2]
[2] كما نقل: أنّه اتفق ذلك لبعض فقهاء عصرنا. و هو
السيّد الجليل الاصولي الفقيه الشهيد الصدر على ما نقل من أنّ عمّال الحكومة
البعثية العراقية أكرهوه على الحكم بنفي مشروعية النظام الثائر الجمهوري الاسلامي
المقدّس في إيران و على هتك السيّد الإمام الراحل و تأييد النظام العراقي البعثي،
و هدّدوه بالقتل عند الامتناع، فامتنع عن ذلك و ترك التقية فقتلوه، رحمه اللّه و
أعلى اللّه مقامه الرفيع و حشره مع أجداده الطاهرين. و إليك مواضع مهمّة من رسالة
صدّام حسين و جواب آية اللّه الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر قدّس سرّه.
أما رسالة صدّام:
و إنّنا نحبّ علماء الإسلام و
ندعمهم ما داموا لا يتدخّلون فيما لا يعنيهم من شئون السياسة و الدولة، و لا ندري
بعد ذلك لما ذا حرّمتم حزبنا على الناس؟ و لما ذا دعوتم إلى القيام ضدّنا و لما ذا
أيّدتم أعداءنا في ايران؟ و قد أنذرناكم و نصحنا لكم و أعذرنا إليكم في هذه الامور
جميعا، غير أنّكم أبيتم و أصررتم و رفضتم إلّا طريق العناد مما يجعل قيادة هذه
الثورة تشعر بأنّكم خصمها العنيد و عدوها اللدود و أنتم تعرفون ما موقفها ممن
يناصبها العداء و حكمه في قانونها؟
و قد اقترحت رأفة بكم أن نعرض
عليكم أمورا إن أنتم نزلتم على رأينا فيها أمنتم حكم القانون و كان لكم ما تحبون
من المكانة العظيمة و الجاه الكبير و المنزلة الرفيعة لدى الدولة و مسئوليها، تقضي
بها كل حاجاتكم و تلبي كل رغباتكم، و إن أبيتم كان ما قد تعلمون من حكمها نافذا
فيكم و ساريا عليكم مهما كانت الأحوال، و امورنا الّتي نختار منها ثلاثة، لا
يكلفكم تنفيذها أكثر من سطور قليلة يخطها قلمكم لتنشر في الصحف الرسمية و حديث
تلفزيوني جوابا على تلك الاقتراحات، لتعودوا بعد ذلك مكرمين معززين من حيث أتيتم
لتروا من بعدها من فنون التعظيم و التكريم ما لم تره عيونكم و ما لم يخطر على
بالكم.
أول تلك الامور: هو أن تعلنوا
تأييدكم و رضاكم عن الحزب القائد و ثورته المظفرة.
ثانيهما: أن تعلنوا تنازلكم عن
التدخل في الشؤون السياسية و تعترفوا بأنّ الإسلام لا ربط له بشؤون الدولة.
ثالثها: أن تعلنوا تنازلكم عن
تأييد الحكومة القائمة في إيران و تظهروا تأييدكم لموقف العراق منها، و هذه الامور
كما ترون يسيرة التنفيذ كثيرة الاثر جمّة النفع لكم من قبلنا فلا تضيعوا هذه
الفرصة التي بذلتها رحمة الثورة لكم.
و أمّا جواب آية اللّه الشهيد
الصدر قدّس سرّه:
لقد كنت أحسب أنكم تعقلون القول و
تتعقّلون ...
أشباه اليهود و أتباع الشيطان،
أعداء الرحمن على حرماته الغارة الرعناء، و تربصتم بأوليائه كل دائرة بسطتم إليهم
أيديكم بكل مساءة، و قعدتم لهم كل مرصد و أخذتموهم على الشبهات و قتلتموهم على
الظنة على سنن آبائكم الاولين، تقتفون آثارهم و تنهجون سبيلهم، لا يردعكم عن كبائر
الاثم رادع و لا يزعجكم عن عظام الجرم وازع، قد ركبتم ظهور الأهواء فتحولت بكم في
المهالك، و اتبعتم داعي الشهوات فأوردكم أسوأ المسالك، قد نصبتم حبائل المكر و
أقمتم كمائن الغدر ... أ ظننتم أنكم بالموت تخيفونني و بكر القتل تلونني و ليس
الموت إلّا سنة اللّه في خلقه ... أو ليس القتل على أيدي الظالمين إلّا كرامة
اللّه لعباده المخلصين. فاجمعوا أمركم و كيدوا كيدكم و اسعوا سعيكم، فأمركم إلى
تباب و موعدكم سوء العذاب. تريدون منّي أن أبيع الحق بالباطل، و أن أشتري طاعة
اللّه بطاعتكم، و أن أسخطه و أرضيكم، و أن أخسر الحياة الباقية لأربح الحطام
الزائل، ضللت إذا، و ما أنا من المهتدين. تبّا لكم و لما تريدون، و أ ظننتم أنّ
الإسلام عندي شيء من المتاع يشترى و يباع؟ ...
فو اللّه لن تلبثوا بعد قتلي إلّا
أذلة خائفين، تهول أهوالكم و تتقلب أحوالكم و يسلّط عليكم من يجرعكم مرارة الذل و
الهوان، يسيقكم مصاب الهزيمة و الخسران، و يذيقكم ما لم تحتسبوه من طعم العناء، و
يريكم ما لم ترتجوه من البلاء./ مجلّة العصر العراقية/ العدد الثامن و العشرون/
رسالة صدّام إلى آية اللّه الصدر و جواب آية اللّه الشهيد الصدر.