فلو كان
القرآن محتاجا في فهم معناه المراد إلى التفسير، فكيف يكون بنفسه بيانا و تبيانا،
و واضحا موضحا، و ميسّرا و ممهّدا للفهم و الاتعاظ بقراءة آياته؟! و يمكن الجواب
عن ذلك:
أوّلا:
بأنّ أكثر آيات القرآن من المحكمات البيّنات، و لا سيّما ما يرتبط منها بالوعظ. و
عليه فيصح توصيف القرآن كلّه بالبيان و التبيان بهذا الاعتبار.
كما
يصح القول بتيسير القرآن للوعظ و الاتعاظ بلحاظ إنزال محكماتها؛ فإنّ من أراد أن
يتّخذ إلى ربّه سبيلا و يسلك سبل ربّه و يهتدي إلى صراطه المستقيم، يكفيه العمل
بمحكمات القرآن و بيّنات الآيات التي جلّ القرآن و عمدة آياته. و عليه أن يردّ
العلم بالمتشابهات إلى أهلها.
و
ثانيا: بأنّ المقصود من قوله: «بلسان عربي مبين» أنّ القرآن ليس كأقوال الكهنة و
ألفاظهم الغريبة المستنكرة الخارجة عن قوانين المحاورة و القواعد الأدبية، كما كان
اهتداء النّاس بها متداولا في عصر الوحي و قبله، بل إنّه نزل على لغة العرب و
أسلوب محاوراتهم و قواعدهم، و من هنا يسهل على عموم الناس فهمه.
و
ثالثا: يمكن الجواب أساسيا- مع قطع النظر عن الوجهين المزبورين- بأنّ كون كتاب
تبيانا لكلّ شيء في علم لا ينوط بفهم عموم الناس له بالمباشرة، كما أنّه لو وضع
في علم الطب كتاب جامع لجميع قواعد الطبابة و قوانين معالجة جميع الأمراض، فمن
الطبيعي أن لا يفهمه عموم الناس، بل إنّما يفهمه الأطباء الحاذقون. و على المرضى
أن يراجعوا إليهم حتى يعالجوهم بمطالعة ذلك الكتاب و الاستفادة منه. و مع ذلك يصح
أن يقال: إنّ مثل هذا الكتاب تبيان لدواء كل مرض و فيه شفاء للناس. فكذلك القرآن؛
فإنّ كونه تبيانا لكل شيء و بيانا للناس، لا ينافي عدم تمكّن عموم الناس من فهم
متشابهاتها، و احتياجهم في