و
قد أجاد العلّامة الطباطبائي قدّس سرّه في بيان ما هو الحق في المقام؛ حيث قال-
بعد بحث في ذلك و في بيان المقصود من التفسير بالرأي-، ما لفظه:
«فالحق
أنّ الطريق إلى فهم القرآن الكريم غير مسدود، و أنّ البيان الالهي و الذكر الحكيم
بنفسه هو الطريق الهادي إلى نفسه، أي أنّه لا يحتاج في تبيين مقاصده إلى طريق،
فكيف يتصور أن يكون الكتاب الذي عرفه اللّه تعالى بأنّه هدى و أنّه نور و أنّه
تبيان لكل شيء، مفتقرا إلى هاد غيره، و مستنيرا بنور غيره، و مبيّنا بأمر غيره؟
فان
قلت: قد صح عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال في آخر خطبة خطبها: إنّي
تارك فيكم الثقلين: الثقل الأكبر و الثقل الأصغر. فأما الأكبر فكتاب ربّي، و أما
الأصغر فعترتي أهل بيتي فاحفظوا فيهما فلن تضلوا ما تمسكتم بهما رواه الفريقان
بطرق متواترة عن جم غفير من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عنه، أنهى
علماء الحديث عدتهم إلى خمس و ثلاثين صحابيا؛ و في بعض الطرق: لن يفترقا حتى يردا
عليّ الحوض، و الحديث دالّ على حجية قول أهل البيت عليهم السلام في القرآن و وجوب
اتباع ما ورد عنهم في تفسيره و الاقتصار على ذلك، و إلّا لزم التفرقة بينهم و
بينه.
قلت:
ما ذكرناه في معنى اتّباع بيان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله آنفا جار هاهنا
بعينه، و الحديث غير مسوق لابطال حجية ظاهر القرآن و قصر الحجية على ظاهر بيان أهل
البيت عليهم السلام. كيف و هو صلّى اللّه عليه و آله يقول: لن يفترقا، فجعل الحجية
لهما معا. فللقرآن الدلالة على معانيه و الكشف عن المعارف الالهية، و لأهل البيت
الدلالة على الطريق و هداية الناس إلى أغراضه و مقاصده.
على
أنّ نظير ما ورد عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في دعوة الناس إلى الأخذ بالقرآن
و التدبير فيه و عرض ما نقل عنه عليه وارد عن أهل البيت عليهم السلام.