ثمّ قال قدّس سرّه: و حينما انتهى الأمر إلى السعادة و
الشقاوة الذاتية لا يحقّ لك التساؤل و تكراره من جديد بصيغة أن السعادة و الشقاوة
الذاتية من أين نشأتا؟
كلا، إنه لا يحقّ لك
هذا، فإن العلم حينما وصل إلى هنا انكسر رأسه،[1]
فإن الأمور الذاتية لا تحتاج إلى علة لها، و من هنا قيل: الذاتي لا يعلّل، أي لا
يحتاج إلى علة، فمثلا اللّه عزّ و جلّ لم يخلق الزوجية للأربعة بل أوجد ذات
الأربعة، و هكذا لم يخلق المشمشية للمشمش بل خلق ذات المشمش، و لم يخلق الإنسانية
لذات الإنسان بل خلق ذات الإنسان، و من هنا لا يحقّ لأحد أن يقول: لم خلق اللّه
الإنسان إنسانا و الفرس فرسا؟ فإن اللّه خلق ذات الإنسان و ذات الفرس و لم يخلق
الإنسانية و الفرسية حتّى يرد ما ذكر.
و ذكر في ثنايا حديثه
قدّس سرّه: أنه توجد بعض الأحاديث التي تشير إلى مسألة السعادة و الشقاوة
الذاتيتين، من قبيل ما دلّ على أن السعيد سعيد في بطن أمّه و الشقي شقي في بطن
أمّه،[2] و ما دلّ على
أن الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة.[3]
______________________________
-
و بكلمة أخرى: أن الكفر إما أن يكون مستندا إلى الإرادة الأزلية أو إلى الشقاوة
الذاتية، و لا معنى لإسناده مرة إلى هذا و أخرى إلى ذاك.
(1) و قد عبّر عن هذا
بشطر شعر فارسي: «قلم اينجا رسيد سر بشكست»، أي القلم حينما وصل إلى هنا- و
المقصود الشقاوة الذاتية- انكسر رأسه، و يقصد بذلك الكناية عن عدم وجاهة السؤال
بأن الشقاوة الذاتية من أين نشأت.
(2) لاحظ الكافي 8:
81/ الحديث 39.
(3) لاحظ الكافي 8:
177/ الحديث 197.
ثمّ لا يخفى أن حديث:
«السعيد سعيد في بطن أمّه و الشقي شقي في بطن أمّه» لا يقصد به ظاهره كما رام ذلك
الشيخ الآخوند، بل يقصد به معنى آخر أشير إليه في رواية ابن أبي عمير:-
[1] و قد عبّر عن هذا بشطر شعر
فارسي:« قلم اينجا رسيد سر بشكست»، أي القلم حينما وصل إلى هنا- و المقصود الشقاوة
الذاتية- انكسر رأسه، و يقصد بذلك الكناية عن عدم وجاهة السؤال بأن الشقاوة
الذاتية من أين نشأت.
ثمّ لا يخفى أن حديث:« السعيد
سعيد في بطن أمّه و الشقي شقي في بطن أمّه» لا يقصد به ظاهره كما رام ذلك الشيخ
الآخوند، بل يقصد به معنى آخر أشير إليه في رواية ابن أبي عمير:-- سألت أبا الحسن
موسى بن جعفر عليه السّلام عن معنى قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:« الشقي
من شقي في بطن أمّه و السعيد من سعد في بطن أمّه»، فقال:« الشقي من علم اللّه و هو
في بطن أمّه أنه سيعمل أعمال الأشقياء، و السعيد من علم اللّه و هو في بطن أمّه
أنه سيعمل أعمال السعداء». لاحظ بحار الأنوار 5: 157/ الحديث 10.
هذا بالنسبة إلى الحديث المذكور.
و أما حديث:« الناس معادن كمعادن
الذهب و الفضة» فلا يبعد أن يقصد به الإشارة إلى أن الناس في كمالاتهم و أخلاقهم و
صفاتهم مختلفون كاختلاف المعادن في جودة بعضها و رداءة البعض الآخر، كما أشار إلى
ذلك المجلسي في تعليقه على الحديث، و بذلك يكون أجنبيا عن مسألة السعادة و الشقاوة
الذاتيتين.
ثمّ إنه مع فرض التنزّل و تسليم
نظر الحديثين إلى السعادة و الشقاوة الذاتيتين نقول: إنهما لا يدلان على ثبوت
العلّية التامة للسعادة و الشقاوة الذاتيتين بل يلتئمان مع ثبوتهما بنحو المقتضي،
و بناء على هذا يعود التساؤل بأنه لم صار هذا سعيدا و ذاك شقيا بعد فرض أن ثبوت
السعادة و الشقاوة الذاتيتين هو بنحو المقتضي الذي يحتاج في تأثيره إلى الشرط و
عدم المانع.
ثمّ إنه مع فرض التنزّل عن هذا
أيضا نقول: إن الحديثين المذكورين لو كانا يدلان على ثبوت السعادة و الشقاوة بنحو
العلية التامة و لا يمكن توجيههما بأي شكل من الأشكال فلا بدّ من طرحهما على الجدار،
فإن الخبر المخالف للكتاب الكريم زخرف و لا بدّ من طرحه على الجدار.