بين مدلولي الدليلين
على نحو يعلم بأنّ المدلولين لا يمكن أن يكونا ثابتين في الواقع معا. و لأجل تحديد
مركز هذا التنافي نقدّم مقدّمتين:
الاولى:
يجب أن نستذكر فيها ما تقدّم من أنّ الحكم ينحلّ إلى جعل و مجعول، و أنّ الجعل
ثابت بتشريع المولى للحكم، و أنّ المجعول لا يثبت إلّا عند تحقّق موضوعه و قيوده
خارجا، و من الواضح أنّ الدليل الشرعيّ اللفظيّ متكفّل لبيان الجعل لا لبيان
المجعول، لأنّ المجعول يختلف من فرد إلى آخر فهو موجود في حقّ هذا و غير موجود في
حقّ ذاك تبعا لتواجد القيود، فقوله مثلا: «لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ
حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»[1]،
مدلوله جعل وجوب الحجّ على المستطيع، لا تحقّق الوجوب المجعول، لأنّ هذا تابع
لوجود الاستطاعة، و لا نظر للمولى إلى ذلك، فمدلول الدليل دائما هو الجعل لا
المجعول.
و
الثانية: أنّ التنافي قد يكون بين جعلين و قد يكون بين مجعولين مع عدم التنافي بين
الجعلين، و مثال الأوّل: جعل وجوب الحجّ على المستطيع و جعل حرمة الحجّ على
المستطيع، فإنّ التنافي هنا بين الجعلين، لأنّ الأحكام التكليفيّة متضادّة كما
تقدّم، و مثال الثاني: جعل وجوب الوضوء على الواجد للماء و جعل وجوب التيمّم على الفاقد
له، فإنّ الجعلين هنا لا تنافي بينهما إذ يمكن صدورهما معا من الشارع، و لكنّ
المجعولين لا يمكن فعليّتهما معا، لأنّ المكلّف إن كان واجدا للماء ثبت المجعول
الأوّل عليه و إلّا ثبت المجعول الثاني، و لا يمكن ثبوت المجعولين معا على مكلّف
واحد في حالة واحدة.