المجردات أو علم الماديات وحينئذ فيتضح لك
فساد تعريفه بعدم الجهل وفساد تعريفه بالإضافة لأن الوجود لا يدخل تحت مقولة من
المقولات إلى غير ذلك مما لا يخفى على الفطن.
الأمر الثالث: إن العلم من الأمور الوجدانية التي ليست لها ماهية
وراء الوجود وإنما هو من الأمور التي ماهيتها عين وجودها لما عرفت أن العلم ليس
إلا وجود الشيء عند المدرك وإحاطته به. وعليه فلا يمكن حدّه ولا رسمه لأن الحد
إنما يكون لأجل احظار ماهية الشيء عند المدرك والعلم لم يكن له حتى تحظر في ذهن
أحد. وكذا لا يصح رسمه لأنه من الأمور الوجدانية فهو ممتاز بنفسه عما عداه عند كل
أحد فيكون رسمه من قبيل تحصيل الحاصل.
نعم لا باس بالتنبيه عليه وتعريفه تعريفاً لفظياً وبهذا ظهر لك خطأ
من حاول بيان حد العلم أو رسمه هذا حال حقيقة العلم.
وقد اتفق العلماء على تقسيمها إلى التصور والتصديق ولكنهم اختلفوا في
كل منهما فزعم حكماؤهم أن التصديق هو نفس الحكم وما عداه من الإدراكات فهي تصور
وتبعهم على ذلك أكثر متأخري المنطقيين. وزعم الرازي أن التصور هو الادراك الساذج
الذي ليس معه حكم والتصديق عبارة عن تصور النسبة وتصور طرفاها والحكم وجعل
التفتازاني التصديق عبارة عن الإذعان بالنسبة والتصور عبارة عن الادراك المجرد
عنه. ثم انهم اختلفوا في الحكم فزعم قطب الدين بأنه إسناد أمر إلى آخر وإثباته له
وينسب إلى الحكماء أن الحكم عندهم هو نفس إقرار النفس وإذعانها بالشيء. وزعم صاحب
مطالع الأنوار بأن الحكم إيقاع النسبة أو انتزاعها وزعم بعضهم أن الحكم هو إدراك
النسبة على وجه يطلق عليه التسليم والقبول وذهب آخرون إلى أنه إدراك وقوع النسبة
أو لا وقوعها. ولكي نوقفك على حقيقة الحال في هذا المقال لا بد لنا من الكلام على
أمور:
الأول: إن الأقسام عبارة عن المقسم المنظم إليه القيود المختلفة فقسم
الشيء لابد وأن يكون عبارة عن ذلك الشيء المقيد بقيد وجودياً كان أو عدمياً وإلا
لما كان قسماً منه بل أمراً أجنبياً عنه وبهذا يظهر لك خطأ من جعل التصديق نفس
الإذعان أو الحكم المجرد عن الادراك إذ لم يكن المقسوم وهو العلم موجوداً في
التصديق.
الثاني: إن تصور الموضوع وتصور المحمول وتصور النسبة لا إشكال في أنه
لا بد من وجودها مع التصديق إذ لا يعقل التصديق بالنسبة بدونها ولذا ترى المنطقيين
بين جاعل لها شرطاً للتصديق أو شطراً له وإذا كان الأمر كذلك ظهر خطأ من قسّم
العلم إلى التصور الساذج والتصديق مع تفسيره للساذج بأنه لا يكون معه حكم أصلًا إذ
على هذا يكون قسماً ثالثاً للعلم وهو تلك التصورات المذكورة (أعني تصور الموضوع
والمحمول والنسبة) لأنها ليست من التصور الساذج حيث كانت مقترنة بالحكم لوجودها مع
التصديق وليست هي من التصديق في شيء إذ أنها إما أن تكون أجزاءه أو شروطه وكيف
كان فهي مغايرة له لأن الجزء غير الكل والشرط غير المشروط.
الثالث: إنه عند مراجعة الوجدان لا يرى الإنسان في مقام التصديق
بالنسبة إلا تصور الموضوع والمحمول والنسبة ووقوعها أولًا وقوعها وحكم النفس بذلك
(أي بالوقوع أو اللا وقوع) وإذعانها به وتسليمها به كما أن في مقام الشك توجد
التصورات الأربعة ولكنه من دون أن يكون للنفس حكم بالوقوع أو اللا وقوع فحقيقة
التصديق هو ذلك الحكم النفساني إذ لا معنى للتصديق بالشيء إلا قناعة النفس به لا
تصور أطرافه ومن المعلوم أن هذا الحكم ليس