الحادثة الثانية: البلية التي هي حتى اليوم باقية، واقعة الزقرت
والشمرت التي فنيت بها خلائق لا يحصي عددهم إلَّا الله، وقد اختلف في سببها،
والأقرب إلى الاعتبار ما حدثني به شيخنا الأجل، وعمادنا المبجل عمّي العباس[1] ابن المحقق الشيخ علي (رحمه الله):
أنّ الشيخ الكبير لما كثرت الغارات على النجف من أعراب البوادي خصوصاً الوهابي
وأصحابه، فإنّه غزاها مراراً كثيرة، وفي كل مرة لابد أن يقتل رجلين أو ثلاثة ممن
يظفر به خارج البلد ثم يحول الله بينه وبين ما يروم من دخولها وأتلافها بشيء من
تقديراته وأسبابه، حتى آل الأمر أن المرأة الحامل إذا سمعت بمجيء الوهابي تلقي ما
في بطنها وتموت، والرجل يبكي بكاء الثكلى، وكان سعود هذا إذا جاء إلى النجف نزل في
الرحبة عند السيد محمود الرحباوي فيكرمه غاية الإكرام ويحترمه نهاية الاحترام حتى
قيل: إنّ السيد محموداً هو الذي كان قد دلّه على النجف وأرشده إلى طريق غزوها،
فبعث الشيخ إلى السيد محمود أنّ هذا الرّجل إذا جاء إليك عازماً على السوء فالذي
ينبغي منك أن ترسل إلينا مخبراً لنستعد له ولقتاله وحربه، ولا يدخل علينا غفلة فلا
نطيق دفاعه، هذا إذا لم تؤدِ ما يجب عليك من إمداد إخوانك أهل النجف والدّفاع عنهم
بنفسك وجندك، فما
[1] الشيخ عباس ابن الشيخ علي ابن الشيخ الأكبر
جعفر كاشف الغطاء، فقيه كبير ومرجع جليل، بلغ مرتبة الاجتهاد واعترف له معاصروه
بالفضل والفقاهة، ونبغ نبوغاً باهراً، ومن آثاره( موارد الأنام في شرح شرائع
الإسلام) و( رسالة في الشروط) و( رسالة عملية) ورسائل في الأموال ومراسلات شعرية
ونثرية مع بعض إخوانه من العلماء والأدباء، وقد ألف جدنا العلامة الشيخ هادي كاشف
الغطاء رسالة خاصة في أحواله .. ولد سنة( 1242 ه-) وتوفي سنة( 1315 ه-).