أشارت هذه الآية الكريمة إلى حال الأميين قبل الإسلام وبعده. والمراد
بالأميين؛ الجاهلين من العرب وغيرهم من الأمم. وقد كان العالم، يوم ذاك، بأجمعه في
الحقيقة أمياً، يتخبط في ظلمات الظلم والجهالة والغي والعمى. فأشارت الآية إلى هذه
الحالة، وعبرت عن سوء هذا الحال بأوجز عبارة وأجمعها لمعاني الشقاء، وهي قوله-
تعالى-: [وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ].
كان البشر عموماً كسفينة في بحر عجاج تتقاذفه الأمواج، وكان العرب
بالأخص في أقصى مراتب الشقاء، يعبدون الأوثان، ويعتدون بالأثم والعدوان .. يغزو
بعضهم بعضا، ويثب بعضهم على بعض .. يقتلون أولادهم خشية أملاق، ويدفنون بناتهم حال
الحياة حذر الانفاق .. عصابات متضاربة، وقبائل متحاربة .. لا علم ولا ثقافة، ولا
تفكير ولا تدبير، ولا صناعة ولا زراعة ..
لا نظام ولا وئام .. عصابات وعصبيات .. تسودها القبلية، وتقودها
الأقليمية، ويحكمون حكم الجاهلية .. [أَفَحُكْمَ
الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا ..].
وبينما هم- أي العرب وجميع البشر- يتخطبون في حنادس هذه الأهوال
والأحوال، من التعاسة والشقاء، والطيش وسوء العيش .. إذ أشرقت شمس الاسلام على
الإنام من أفق العناية الأزلية وسماء الألطاف الأحدية .. جاء الإسلام إلى الأنام،
ففتح الأسماع وكانت صماء، ونور الأبصار وكانت عمياء، وصقل القلوب بالنور وكانت
ظلماء، وبدل كل وضع سيء بالأحسن [بَدَّلْنَا مَكَانَ
السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ].
وكان أول بذرة غرسها وقاعدة رصينة أسسها قاعدة (التوحيد للخالق،
وتوحيد الحقوق للمخلوق): (الخلق امام الحق سواء)، (لا فضل لعربي على عجمي) .. سحق
العنصريات ومحق العصبيات، وأباد نعرات الطائفيات، وصار يسقي هذه البذرة- بذرة
التوحيد- ويتعاهدها وينميها قولًا وفعلًا، سراً وجهراً، فكراً وذكراً .. [يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ
اللَّهِ