سارت أمتنا في هذا الطريق ولكنا سارت من دون
أن تبصر، وتحركت من دون أن تشعر، ولا قائد هناك يقودها، ولا مرشد يرشدها. وشأنها
في هذا شأن كل أمة هوت إلى حضيض الشقاء، حيث تبقى تلك الأمة سائرة على ما هي عليه
حتى يقيض لها الله من ينتشلها من هذه الهوة السحيقة، ويأخذ بها في طريق السعادة
ويسقيها من رحيق الحياة المختوم، فعند ذلك تفتح عينيها من أغماءتها، وتصحو من
سكرتها، وتعد العدة لنفسها، وتسير متتبعة الطريق الذي رسمها لها منقذها، منفذة
الخطة التي سنّها لها مرشدها .. حينئذٍ تبدأ الحياة من جديد، وتعيد مجدها الماضي.
لو ألقينا نظرة بسيطة مختصرة إلى أمم الغرب، كأيطاليا وما أصابها بعد
سقوط عاصمتها روما سنة 476 م، لرأيناها تتخبط تخبط العشواء في جنح الليل البهيم
إلى أن هيء لها من سعى لصلاحها وأجتهد في ارشادها، وكذلك كان لها مازيني وكافور
ومن بعدهما غاريبالدي وعمانؤيل.
أما ألمانيا فإنها قبيل حرب السبعين كانت منقسمة إلى ألمانيا
الشمالية وألمانيا الجنوبية، ولكن بطلها (بسمارك) لم يرضَ بذلك فأخذ بيدها إلى أوج
الوحدة.
وكذلك فرنسا فإنها لم تتخلص من قيود أباطرتها ونبلائها إلَّا بعد أن
قبض لها من انتشلها، أمثال فولتير، وميرابو، وربسبير، ودانتون وغيرهم.
أما العرب فحدث عن جاهليتها قبل الإسلام ولا حرج، ثم منَّ الله عليها
بهذا الدين الحنيف الذي صعد بها إلى أوج المجد، ثم سرعان ما عادت إلى شبه جاهليتها
الأولى، وفي تلك الفترات التي تاهت بها أمتنا كان الله يرسل لها في الفينة بعد
الفينة من يشعرها ذلها، ويذكرها حالتها، وكان شيخنا الحجة في هذا العصر، وحيد
زمانه ونبي أوانه، لم يزل ولن يزال يسعى في إصلاح هذه الأمة وفي رقيها، مجازفاً
براحته مضحياً كل غالٍ لديه في تشخيص أدواء هذه الأمة وتحضير الدواء لها، فكان من
الأطباء النطاسين الذين فازوا بالنجاح بعد التجربة، فهو على بعد الشقة وضعف الشعور
بالوحدة، لم تضعف عزيمته أو نقل همته، بل لم يزل يدأب على معالجة أدواء الأمة
المزمنة منها والمؤقتة، يشخص الداء بمنظار العقل والإخلاص والمثابرة، مركباً الداء
التركيب الكيمياوي الذي به خير الأمة وعلاجها.