أما طرق معرفة أهمية الحكم من مزاحمه وذلك
من لسان الدليل كأن كان الدليل أحدهما يدل على شدة اهتمام المولى بمتعلقه بتعظيم
شأنه كالصلاة في بيان أنها عمود الدين وأنه ان قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما
سواها أو بتشديد العذاب الدنيوي أو الآخروي على تركه كحفظ النفس المؤمنة أو بشدة
الحث على طلبه وتأكيد إرادته ووجوبه ونحو ذلك، وقد جعل بعضهم إطلاق دليل الوجوب
وعمومه لمورد التزاحم الأهم من الدليل الآخر الذي لا إطلاق له لمورد التزاحم. وفيه
مضافاً إلى عدم دلالة ذلك على أهمية ما له الإطلاق فإن المقام يرجع فيه للجمع
العرفي حيث ان ما كان له الإطلاق يتمسك بإطلاقه والذي ليس له إطلاق كما لو قام
عليه دليل لبي أو دليل لفظي مجمل يؤخذ بالقدر المتيقن منه فإن كان القدر المتيقن
يشمل مورد التزاحم وقع بينهما التزاحم وإلّا فيؤخذ بإطلاق الدليل المطلق ولا يؤخذ
بالدليل المجمل لأنه ليس بحجة في غير القدر المتيقن.
السادس: ان يكون أحد الواجبين متقدماً زمانا
بأن يكون وقت امتثاله سابق على وقت امتثال الآخر، وأما إذا كان شرط صحة امتثال
الثاني إتيان الأول كالظهر والعصر فلا إشكال، وأما إذا لم يكن كذلك لأن ترك الأسبق
يكون عصياناً له بلا مبرر شرعي لقدرته على امتثاله في وقته بخلاف المتأخر زماناً
فإنه لا يكون عصياناً له لا قبل مجيء وقته ولا بعد مجيء وقته لأنه قبل مجيء
وقته ليس بواجب عليه وبعد مجيء وقته لا قدرة له عليه كما لو كان لا يقدر على صوم
يومين متتابعين من شهر رمضان فإنه يقدم صوم اليوم الأول على صوم اليوم الثاني،
ومثله لو دار أمره بين الركوع في الركعة الأولى أو الثانية أو القيام في الأولى أو
الثانية. نعم لو كان الثاني أهم كما لو دار الأمر بين بذل المال فعلًا للوضوء وبين
بذله بعد يوم لحفظ النفس أو العرض قدّم حفظ النفس أو العرض وإن كان متأخراً زماناً
لحكم العقل باستحقاق العقاب على تفويت الواجب الأهم بتفويت القدرة عليه نظير ما
يقال في وجوب المعرفة.