بالحسن والقبح بمعنى إدراكه استحقاق الثواب ممن بيده ذلك واستحقاقه العقاب ممن بيده ذلك أمور:

أولها: قضاء الضرورة والبداهة وصريح الوجدان وحكم العقلاء بأن المولى الذي له عبدان أحدهما ظلم الآخر فقطع يديه وأذنيه وقلع عينيه ليس عادلًا بعد اطلاعه على ذلك إذا لم ينتقم من عبده الظالم لعبده المظلوم، فصحة ذم المولى حينئذ كاشف عن كونه تاركاً للواجب فيكون الانتقام واجباً، ووجوب الانتقام منه كاشف عن استحقاق عقابه وهو المطلوب حيث أدرك العقل استحقاق العبد الظالم للعقاب.

وكذا يحكم العقلاء بذم من ترك إنقاذ الغريق المحسن بإحسانات كثيرة مع قدرته على إنقاذه فيحكمون بكون مذموماً يجوز توبيخه ولومه، بل وعقابه معللين بأن جزاء الإحسان الصادر من الغريق هو الإحسان ولزوم إنقاذه لا الإساءة وترك الإنقاذ، فلو كان له مولى وعاقبه على ترك الإنقاذ لما ذمه العقلاء بل يذموه لو لم يعاقبه على تركه فحكم العقل باستحقاقه العقاب، وكذا يحكم العقل بالعقاب على العبد فيما لو قال له مولاه يباح لك كل عمل إلى أن يرد مني أمر به أو نهي عنه فأخذ العبد السيف فقتل ولده. وهكذا نفرض في جانب الثواب ونقول لو أن رجلًا أحسن إلى ولدك وتلطف عليه وتعطف فلا شك في أن عقل كل عاقل حاكم بكون ذلك المحسن مستحقاً لجزاء الخير والثواب.

ثانيها: وهو تنقيح المناط القطعي بملاحظة طريقة العقلاء فإن ترتب الثواب والعقاب وأستحقاقهما على الامتثال في الأمر والنهي اللفظيين ليس إلّا لأجل محبوبية المأمور به ومبغوضية المنهي عنه المعلومتين بخطاب‌