هناك و لا فى الأفلاك نهار و لا ليل-لكنّا رأينا الصّورة مع امتناع كونها فى ذلك الهواء.

فإن قلت: لا يلزم من امتناع كونها فى ذلك الهواء، امتناع كونها فى هذا الهواء للفرق القادح.

قلت: لا يجوز أن تكون الصّورة فى الهواء مطلقا، لأنّه قد يرى فى الهواء ما هو أعظم منه، كالسّماء.

و ليست هى فى البصر، لما سبق، من أنّها أكبر من الحدقة. و ليست هى صورتك بعينها على أن ينعكس الشّعاع من المرآة، إلى وجهك و إلى كلّ ما يرى فى خلاف جهة المرآة ، كما ظنّه بعضهم، و هم القائلون بالشّعاع، فإنّا قد أبطلنا الشّعاع.

و لقائل أن يقول: مسلّم أنّك أبطلت أنّ الإبصار بخروج الشّعاع عن البصر. لكن كما جوّزت أن يحدث فى المرآة من مقابلة النيّر كيفيّة نورانيّة يستنير بها المرآة؛ و تحدث من تلك الكيفيّة فيما وضعه من المرآة، كوضع النّيّر منها، كيفيّة أخرى شعاعيّة يستنير بها ذلك الشّيء، كما استنارت المرآة بالكيفيّة الأولى؛ و هكذا تحدث عن كلّ كيفيّة كيفيّة أضعف ممّا قبلها إلى أن تفنى؛ فلم لا يجوز أن تحدث فى المرآة من نور البصر كيفيّة نورانيّة يبصر بها المرآة، لأنّ هذا النّور يفيد الإبصار، كما أنّ نور الشّمس يفيد الاستنارة؛ و يحدث عن هذه الكيفيّة كيفيّة أخرى نوريّة فى مقابل المرآة، و هو الوجه، فيبصره الرّائى.

فإن قلت: لو كان كذلك لحدث عن كلّ كيفيّة كيفيّة أخرى، كما فى الشّمس.

قلت: إنّما اقتصرت على الأولى لضعف نور البصر، فإنّها بمنزلة الكيفيّة الأخيرة فى الشّمس.

و ليست هى نفس صورتك تراها بطريق آخر ، غير الانعكاس و الانطباع. فإنّك قد ترى مثال وجهك أصغر من وجهك بكثير، مع كمال هيئة جميع الأعضاء. و أيضا هى متوجّهة إلى خلاف توجّه وجهك. و فى بعض النّسخ «إلى خلاف جهة وجهك» . و لو كانت هى نفس صورتك لأمثالها و شبحها، لما رأيت وجهك