و
أمّا قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إنّما أقضي بينكم»، فقد تقدم جواز قضاء
النبي بعلمه و وقوعه، و قضايا مولانا أمير المؤمنين- عليه السلام- مشهورة معروفة
عند العوام فضلا عن الخواص، فيكون الحصر في الصحيحة غالبيا، و الصحيحة ناظرة إلى
عدم تغير الواقع بحكمه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على طبق البينات و الأيمان
كما يشهد بذلك ذيلها، و قد يكون القضاء باعتراف الخصم و إقراره، مع أنّ الحكم به
لا يكون داخلا في شيء من البينة و الأيمان.
أضف
إلى ذلك احتمال كون البينة في الصحيحة بمعناها اللغوي، فتعمّ علم القاضي كما يفصح
عن ذلك غير واحد من الآيات كقوله سبحانه قُلْ إِنِّي عَلى
بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي[1] و
قوله فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ[2] و
أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي*[3]
إلى غير ذلك مما استعمل فيه البينة بمعنى موضح الواقع و الأمر و الحق.
لا
يقال: لا يحتمل كون البينة في الصحيحة بالمعنى اللغوي، و إلّا لم يصح إفراد
الأيمان عن البينات حيث إنّ الأيمان أيضا من موضح الحق و الواقع.
فإنّه
يقال: عطف الأيمان على البينات لا ينافي كونها بمعنى موضحات الأمر حيث إنّ البيّنة
ظاهرها موضح الأمر، و الواقع مع قطع النظر عن مقام القضاء و لا يكون الأيمان كذلك
فإنّها موضحات بلحاظ مقام القضاء في حقوق الناس،