و يستدلّ على عدم الحكم بأنّ
الشهادة التي رجع الشاهد عنها قبل الحكم لا تحسب شهادة، و ما دلّ على انّ القضاء
بالبينات ينصرف عن الشهادة المزبورة، بل ذكرنا سابقا انّ البينة المبتلاة بالمعارض
لا تصلح مدركا للحكم، و رجوع الشاهد عن شهادته يعارض الشهادة السابقة، و لما كان
قيام المعارض قبل الحكم فلا تصلح سندا للحكم.
و
بتعبير آخر الرجوع عن الشهادة إمّا يكون بنفي ما شهد به أوّلا أو نفي حسّه ذلك
المشهود، فيكون كما إذا شهدا بأمر و شهد عدلان آخران بنفي ما شهدا به، أو بنفي
حضورهما في الواقعة التي شهدا بها.
و
هذا فيما إذا كان رجوعهما بدعواهما وقوع الاشتباه فيما وقعا منهما من الشهادة
ظاهر، نعم لو كان رجوعهما بقولهم: إنّا تعمّدنا الكذب، فيشكل رفع اليد عن شهادتهما
السابقة لو كان عدلهما عند إقامة الشهادة محرزا، فإنّهما و إن يحكم بفسقهما فعلا
بالكذب إمّا بالشهادة السابقة أو برجوعهما، إلّا أنّ مقتضى الطريق إلى عدلهما عند
شهادتهما و لا أقل من أنّ مقتضى الاستصحاب في عدلهما عند أدائهما الشهادة
اعتبارها.
و
يدلّ على عدم جواز الحكم بعد الرجوع مرسلة جميل عمن أخبره عن أحدهما- عليهما
السلام-: «قال في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم و قد قضى على الرجل: ضمنوا ما شهدوا
به و غرموا، و إن لم يكن قضى طرحت شهادتهم و لم يغرموا الشهود شيئا»[1]،
فإنّ ظاهرها إلغاء الشهادة برجوع الشاهد قبل الحكم.
[1] الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب الشهادات،
الحديث 1: 238.