و لا يقدح في العدالة ترك المندوبات،
و لو أصرّ مضربا عن الجميع، ما لم يبلغ حدّا يؤذن بالتهاون بالسنن (1).
و
ما ذكر من العفو في الكبائر و لكن لا بنحو الوعد لا يجري في معصية الشرك و الكفر،
فإنّ اللّه سبحانه لا يغفر للمشرك و الكافر إلّا أن يتوب، قال عزّ من قائل
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ
يَشاءُ*[1].
(1)
العدالة سواء قيل بأنّها الاستقامة في أمر الدين و عدم الانحراف عن الوظائف
الشرعية، أو بملكة الاجتناب عن المحرمات و الإتيان بالواجبات، لا تنافي ترك
المستحبات و فعل المكروهات، لثبوت الترخيص حتى فيما كان بنحو الاستمرار و الإصرار.
و
قد قيّد ذلك في كلمات جملة من الأصحاب بعدم البلوغ مرتبة التهاون، و في التقييد
شيء من التأمّل، فإنّه إن كان المراد التهاون العملي بمعنى عدم الاعتناء
بامتثالها، فقد ذكرنا أنّه لا ينافيها، و إن كان بمعنى الاستخفاف، نظير ما ورد في
الاستخفاف بالصلاة فهو عبارة أخرى عن التهاون العملي.
نعم،
لو تضمن الاستخفاف نوع اعتراض و إنكار للأمر بتلك الأفعال أو النهي بالمكروهات،
فهو أمر آخر، أعاذنا اللّه من شرور النفس و آفات الغرور.
ثمّ
إنّه قد ذكر بعض الأصحاب إنّ ترك المروة قادح بالعدالة، و لم يتعرض الماتن- قدّس
سرّه- لذلك، و لعلّه لعدم كونه قادحا عنده، و قد يفسّر المروة أن يسير الإنسان في
الناس بسيرة أمثاله من رعاية الأدب و الرسوم و الاجتناب عمّا يشين عندهم، و كأنّ
العدالة يعتبر فيها مضافا إلى ما تقدم ان لا يجعل الإنسان