و أنّه لا فرق في الدية بين الصغير و
الكبير و الشريف و الوضيع منهم ما يدلّ على نفي مثل هذا الضمان، و ليس يرد هنا ما
أوردناه في المسألة الاولى من ضآلة قيمة العلاج و نفقاته و كونها ضمن النفقات
اليومية الاعتيادية للإنسان كما لا يخفى. و هذا بحسب الحقيقة دليل لبّي يمكن أن
يُستدلّ به على عدم ضمان الجاني زائداً على الدية و نفقات البرء و العلاج- إذا
قلنا بضمانها في المسألة الاولى- تعويضاً عمّا يفوته أو يفوت عائلته من الكسب و
المنفعة.
و أما المسألة الثالثة
فهي ضمان الجاني نفقات المرافعة و المقاضاة، و قد ذكرنا أنّ هذا
البحث لا يختص بباب الجنايات، بل يجري في كل مرافعة و دعوى حتى المدنية، فهل يحكم
بثبوت نفقات المرافعة على المحكوم عليه دائماً أو لا؟ و ينبغي إيراد البحث في
فرعين:
الفرع الأوّل- في ضمان المحكوم عليه
للمحكوم له ما قد يصرفه من نفقات في سبيل الحصول على حقه إذا توقّف استحصاله عليه،
و هذه مسئولية و ضمان تجاه صاحب الحق.
الفرع الثاني- في ضمان المحكوم عليه
لنفقات المرافعة للدولة، فيجوز أن تستوفيها المحكمة منه لا من المحكوم له، و هذه
مسئولية مدنية و ضمان تجاه الحكومة.
أمّا الفرع الأوّل: فقد يقال بضمان من عليه الحق لصاحب الحق ما يبذله
في سبيل استحصال حقه منه، و منه نفقات المرافعة و تكليف المحامي و الوكيل للدفاع و
غير ذلك؛ بدعوى أنّ هذه النفقات و التكاليف و إن كان قد صرفها صاحب الحق باختياره
إلّا أنّ إنفاقها كان في سبيل تحصيل حقه المهدور و في طول منع المحكوم عليه و أخذه
بحقه، فيكون هو السبب عرفاً لفواتها و ذهابها عليه و خسارته، فيضمنها الجاني
بالتسبيب.
إلّا إنّ الظاهر عدم كفاية هذا المقدار للتسبيب، فإنّنا ذكرنا أنّ
المراد منه ما