هذا، مضافاً إلى أنّ التعبير بقوله
تعالى: «وَ عَلَى الْمَوْلُودِ
لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ...» و قوله تعالى: «وَ
عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ» كالصريح
في الضمان و الحكم الوضعي، و هو ثبوت نفس الرزق و الكسوة بالمعروف في ذمته و ذمة
الوارث، و ثبوت نفس الحق للوالدة في الإرضاع.
و أما الدلالة على التعليل فيمكن استفادته من الآيتين نفسيهما،
خصوصاً الاولى منهما حيث ذكر فيها قوله تعالى:
«لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها ...» عقيب قوله تعالى:
«لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها
...» الواضح كونه مسوقاً للتعليل. هذا مضافاً إلى دلالة بعض الروايات المتعرّضة لتفسير
الآية على ذلك.
و توضيح ذلك: أنّ الآية الكريمة ذكرت أولًا أنّ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ، و هذه جملة خبرية مستعملة في مقام الإنشاء، و هو إما الطلب و
التكليف عليها بالإرضاع أو الحكم الوضعي بأحقيّتها بذلك، ثمّ أردفت الآية ذلك
بقوله تعالى: «وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَ ...» ممّا يعني أنّ ذاك الإرضاع ليس مجّاناً منهنّ، بل في قبال
إرضاعهنّ للمولود، و على الوالد نفقتهنّ و اجرتهنّ بالمعروف من اجرة المثل أو ما
تأخذه مرضعة اخرى، ثمّ ذكرت الآية بعد ذلك جملتين
«لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها ...» و «لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَ لا مَوْلُودٌ لَهُ
بِوَلَدِهِ»، و الجملة الاولى يمكن أن تكون تعليلًا للتشريع المذكور في الصدر، و
أنّه مطابق مع مصلحة التسهيل على العباد في الشريعة و ملاحظة وسعهم و اللائق بهم؛
حيث لم يكلّف كل من الأبوين بما هو خلاف وسعه، فيراد بالوسع عندئذٍ السهولة و
اللياقة و عدم الحرج و الضيق و الضرر، و يمكن أن تكون بياناً للمعروف و تحديداً
له، و أنّه إنّما يجب على الوالد رزقهنّ و كسوتهنّ بالمقدار الذي يجده في المراضع
الاخرى و مع التمكّن و السعة، لا مع فرض الإعسار و عدم التمكّن، فيمكن أن يراد
بالوسع حينئذٍ القدرة و الطاقة. و على كلا التقديرين تكون الجملة ظاهرة في التعليل
و بيان الملاك.