و أمّا انتهاء الإباحة برجوع المبيح عن الإباحة فمبني على القول بعدم
لزوم الإباحة حتى العقدية وضعاً، و قد تقدم البحث عنه مفصلًا.
و أمّا جنون المبيح فهل يوجب انتهاء الإباحة- كما في العقود الاذنية-
أم لا؟
الصحيح هو التفصيل بين فرض القول بلزوم الإباحة المعوّضة وضعاً و عدم
لزومها.
ففي الفرض الثاني تنتهي الإباحة بجنون المبيح لزوال أهليّته فلا يكون
بقاء اذنه- لو فرض- مؤثراً في الإباحة.
و في الفرض الأوّل يمكن القول ببقاء الإباحة لكونها منشأ بعقد لازم
في زمان أهليّة المالك فلا يضرّ ارتفاع أهليّته بعد ذلك لأنّ بقاء الإباحة غير
مستند إلى إذنه و رضاه حال جنونه بل إلى العقد الحاصل في زمان عقله و أهليّته.
هذا كلّه في إباحة التصرّف و الانتفاع، و أمّا إباحة التملّك بالعوض
فإن قيل بصحتها من باب كونه عقداً من عقود المعاوضة و لو بعد الأخذ و القبض للمال
فحاله حال سائر عقود المعاوضة يكون مقتضى القاعدة فيها اللزوم و عدم الانتهاء
برجوع أحد الطرفين ما لم يكن تقايل أو خيار. نعم قد يصح الرجوع قبل القبض و تحقق
العقد كما انّ انتفاء الأهلية أو الملكية قبل ذلك رافع لموضوع العقد.
و أمّا إذا قيل بصحتها من باب التملّك بالأخذ و الحيازة بعد إذن
المالك أو اعراضه مشروطاً بالعوض فلا يجري فيه التقايل و لا الخيار عندئذٍ، بل
حاله حال سائر ما يملك بالأسباب القهريّة غير العقدية.
هذا آخر ما أردنا إيراده في الإباحة المعوّضة. و الحمد للَّه أوّلًا
و آخراً.