فقد يقال عندئذٍ بأنّ مقتضى إطلاق روايات
الدرهم الملحوظ بما هو نقد رائج كفاية دفع مطلق النقد الرائج في الدية بما يعادل
قيمة عشرة آلاف درهم أي سبعة آلاف مثقال فضة خالصة؛ لأنّ قيمة الدرهم بما هو نقد
مقارب أو معادل لقيمة مقدار جنسه الحقيقي عادة، فلو كانت الدراهم مسكوكة اليوم من
الجنس الحقيقي كالفضة بدلًا عن النقود الورقية كانت قيمتها بما هي نقد مساوية
لقيمتها بما هي فضة أو قريباً منها، فيكفي دفع قيمة الجنس بذلك المقدار بالنقد
الرائج اليوم.
إلّا أنّ هذا الإطلاق مما لا يمكن المساعدة عليه؛ إذ- مضافاً إلى عدم
وجود مثل هذا الإطلاق في روايات الدية على ما شرحناه في الجهات السابقة- أنّ ما
ذكر من أنّ النقد اليوم لو كان حقيقياً أي بالدرهم كانت قيمة الدرهم مساويةً مع
قيمة 710 مثقال من الفضة الخالصة بسعر اليوم غير صحيح؛ لأنّ النقد الحقيقي و إن
كان مساوياً أو مقارباً في القيمة غالباً لقيمة الجنس الموجود فيه إلّا أنّ نفس
استخدام الجنس أعني الفضة في ضرب النقود و كثرة استعمالها و الحاجة إليها في
التداول و المبادلات أحد أهم العوامل المؤثرة في ارتفاع قيمة ذلك الجنس ارتفاعاً
هائلًا، و لعلّ من أهم أسباب سقوط قيمة الفضة اليوم سقوطاً فاحشاً إنّما هو خروجها
عن دائرة النقود التي يتعامل بها و عدم الحاجة إليها إلّا في الأغراض الاستهلاكية،
و هي نادرة جداً بالقياس إلى الحاجة للنقد، و إنّما لم يسقط الذهب عن المالية بهذا
المقدار لتوفّر الطلب عليه في الأغراض الاستهلاكية الاخرى كالزينة و نحوها، و
ندرته الوجودية أيضاً بالقياس إلى الفضة، و قلّة استعماله في النقد بالقياس إلى
الدراهم الورِق، كما يظهر من مراجعة تأريخ رواج الدرهم و الدينار في المعاملات،
فبقي الذهب محافظاً على جزءٍ معتدّ به من قيمته السابقة بخلاف الفضة.
فالحاصل: أنّه لا يصح التمسك بإطلاق روايات عشرة آلاف درهم على فرض
تمامية الإطلاق فيها إلّا بالنسبة إلى الدراهم التي كانت رائجة في الأزمنة
السابقة، و التي كانت النقود الرائجة فيها حقيقية و متخذة من الفضة، و قد كانت- لا
محالة-