كان ينبغي أن
يقول آمر غير المكرهة لا يسمّى مكرها ولا أمره إكراها ليعمّ فتأمّل.
ثمّ قال (غَفُورٌ رَحِيمٌ) لهم أو لهنّ ، أو لهم ولهنّ «إن تابوا وأصلحوا» والأولى
لهنّ ، أو لهنّ ولهم ، أو لهم إن تابوا ، قال لعلّ الإكراه كان دون ما اعتبر به
الشريعة من إكراه بقتل أو بما يخاف منه التلف ، أو ذهاب العضو من ضرب عنيف ، أو
غيره حتّى يسلم من الإثم وربّما قصرت عن الحدّ الّذي تعذر فيه فتكون آثمة ، وهذا
جواب عن إشكال عدم الذنب مع الإكراه فلا معنى لكون (غَفُورٌ رَحِيمٌ) بالنسبة إلى المكرهات ، ولا بأس به ، وإن كان خلاف
الظاهر ، فانّ المتبادر نفي الإكراه مطلقا والغفران عنه على تقدير.
قال القاضي : «غفور
رحيم» لهنّ أوله إن تاب ، والأوّل أوفق للظاهر ، ولقراءة ابن مسعود «من بعد
إكراههنّ لهنّ غفور رحيم» ولا يرد أنّ المكرهة غير آثمة ، فلا حاجة إلى المغفرة
لأنّ الإكراه لا ينافي المؤاخذة بالذات ، ولهذا حرّم على المكره القتل وأوجب عليه
القصاص.
فيه أنّه يكفي
أنّ المكرهة غير آثمة لعدم حسن إرجاع المغفرة إليها ، فإنّه لا معنى للمغفرة مع
عدم الذنب ، ولا شكّ أنّها ليست آثمة بالنصّ والإجماع ، بل العقل وقد سلّمه أيضا
ولا يندفع بعدم المنافاة له بالذات لوجود الذنب في القاتل ، ويمكن أن يقال غفور
لهنّ باعتبار أن حصل لهنّ ميل في الأثناء بعد الإكراه فإنّهنّ لمّا كنّ كارهات
يغفر الله الذّنب الناشي بعده ، ويشعر به (مِنْ بَعْدِ
إِكْراهِهِنَّ) أو «غفور لهنّ» من سائر الذنوب بسبب إكراههنّ الزنا ،
أو يكون للانقطاع كما يقول المعصوم اللهمّ اغفر لي فتأمّل ، وأنّه غفور رحيم حيث
تجاوز عن عقاب المكره وجوّز له المكره عليه كالمضطرّ في قوله تعالى (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ
فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[١].